كلّ واحد منهما بالآخر.
أقول : لمّا بيّن الإحباط والموازنة شرع في إبطالهما ، فقال : «والمذهبان باطلان».
وبيان ذلك موقوف على بيان وجود الإضافات كالاخوّة والجوار والأبوّة والبنوّة وعدمها ، فنقول : قالت الحكماء بوجودها ، لأنّ الابوّة مثلا نقيض اللاابوّة ، ولا ابوّة عدميّ ؛ لأنّ العدم جزء مفهومه ، ونقيض العدميّ وجوديّ.
وقالت المتكلّمون بعدمها ؛ لأنّها لو كانت موجودة في الخارج ـ مع أنّها عرض ـ فتفتقر إلى محلّ يكون لها إضافة إلى ذلك المحلّ ، فنقول فيها كما قلنا في الأولى ، ويلزم التسلسل وهو باطل. قالوا : ودليل الحكماء لا يستلزم ثبوتها خارجا ، وإن كان ولا بدّ فيدلّ على الثبوت الذهنيّ.
إذا تقرّر هذا فنقول : لا شكّ أنّ الاستحقاق أمر إضافيّ ؛ لأنّه لا يعقل إلّا مقيسا إلى مستحقّ ومستحقّ. وما لا يعقل إلّا مع غيره يكون عرضا إضافيّا ، فإمّا أن نقول بعدم الإضافات أو بوجودها ، وعلى التقديرين لا يتمّ المذهبان.
أمّا الأوّل : فلأنّ التأثير والتأثّر إنّما يعقلان في الامور الوجوديّة ، فعلى تقدير عدم الاستحقاق كيف يعقل تأثيره وتأثّره؟ ومذهبكم مبنيّ على ذلك ، والمبنيّ على الباطل باطل.
وأمّا الثاني : فالاستحقاقان اللّذان وقع بينهما التأثير والتأثّر إمّا أن يوجدا معا أو على التعاقب ، والأوّل باطل لوجهين :
الأوّل : يلزم أن لا يكونا متضادّين ؛ إذ لو كانا ضدّين لما اجتمعا ؛ لما تقدّم أنّ الضدّين لا يجتمعان لكن مذهبهم مبنيّ على تضادّ الاستحقاقين ، وإلّا لما كان هناك ضرورة إلى القول بذلك.
الثاني : إذا كانا موجودين معا فاختصاص أحدهما بالتأثير والآخر بالتأثّر يفتقر إلى مخصّص ، وليس ، فلا يكون أحدهما أولى. وشيء آخر في الموازنة ، وهو أنّه إذا أسقط أحدهما الآخر صار معدوما ، فكيف يعقل تأثيره في الأوّل وقد صار معدوما ؛ لشهادة