المصنّف هنا ، وهو أنّه التصديق القلبيّ لا غير لقوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (١). وقوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢). فيكون حقيقة فيه ، فلو اطلق على غيره لزم الاشتراك أو المجاز ، وهما على خلاف الأصل. نعم ، الإقرار باللسان كاشف عنه ، والأعمال الصالحة ثمراته.
الثانية : الفاسق فاعل الكبيرة هل يسمّى مؤمنا؟ قالت الوعيديّة : لا ، لفعله الكبيرة التي تركها جزء الإيمان. ولكنّه ليس بكافر عندهم لإقراره بالشهادتين (٣) ، فله حينئذ منزلة بين المنزلتين. والحقّ أنّه مؤمن لما فسّرناه من حقيقة الإيمان ، وهو مصدّق حينئذ فهو مؤمن. وإذا كان مؤمنا كان مستحقّا للثواب الدائم ، لأنّه عوض إيمانه. ولقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٤).
قال : تبصرة ـ الوحوش تحشر كما وعد ؛ للانتصاف وإيصال أعواض الآلام إليها ، كما يليق بعدله. وكذلك المكلّفون وغير المتكلّفين يوصل إليهم أعواض آلامهم ومشقّاتهم ، ويحاسب الجميع محاسبة حقّه.
أقول : قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٥) ، يدلّ على عموم الحشر لكلّ حيوان.
وفي التحقيق كلّ من له حقّ من ثواب أو عوض ، أو عليه حقّ من عقاب أو عوض يجب بعثه وإيصال حقّه إليه أو أخذ الحقّ منه ، سواء كان من المكلّفين أو من غيرهم من إنسان أو حيوان. فهنا فوائد :
الأولى : الألم المبتدأ الصادر عنه تعالى في حقّ الإنسان وغيره يجب فيه أمران :
أحدهما : اللطفيّة إمّا للمتألّم كما في حقّ المكلّف ، أو لغيره كألم الأطفال والبهائم ؛ ليخرج بذلك عن العبث.
__________________
١ ـ المجادلة / ٢٢.
٢ ـ الحجرات / ١٤.
٣ ـ الملل والنحل ١ : ١٢٠.
٤ ـ يونس / ٢.
٥ ـ الأنعام / ٣٨.