بالضرورة ، إن أراد أنّ وجودها حاصل بالضرورة فهو مسلّم ، ولا يحصل الغرض أي بداهة حقيقته ، لأنّ التصديق لا يستدعي تصوّر الطرفين بالحقيقة ، فلا يلزم من بداهة هذا التصديق بداهة حقيقة وجود تلك الأشياء. وإن أراد أنّ حقيقته كذلك ، فهو ممنوع.
ويمكن أن يجاب عنه بأنّ المراد بوجودها نفس حصولها ، إذ لا يدّعى أنّ الوجود أمر زائد على الحصول والكون.
قال : فلا يحتاج الوجود الى تعريف ، ومن عرّفه عرّفه بما يعلم بالوجود أو مع الوجود ، وذلك لا يستحسنه الأذكياء.
أقول : زعم بعض النّاس أنّ الوجود كسبيّ التصوّر ، فأراد المصنّف بطلان مذهبهم.
وذلك أنّ الوجود لو كان كسبيّ التصوّر لكان له معرّف وكاسب ، ولا محالة يكون موجودا ؛ لأنّه علّة موجدة للمعرّف عند العقل ، والموجد للشيء لا بدّ أن يكون موجودا ، وإلّا لكان معدوما فيكون المعدوم موجدا ، هذا باطل بالضرورة ، فوجب أن يكون الوجود متحقّقا مع المعرّف حين كونه معرّفا أو قبله ، فلا يكون معلوما بسببه لوجوب تأخّر المسبّب عن السبب ، فلو عرّف الوجود به ، لزم تأخّره عن نفسه وهو محال (١).
ويمكن توجيه كلام المصنّف بوجه آخر ، وهو أنّ المنقول عمّن عرّف الوجود تعريفات :
الأوّل : أنّه المنقسم إلى الفاعل والمنفعل.
الثّاني : أنّه المنقسم إلى القديم والحادث.
الثّالث : أنّه الكون في الاعيان.
والّذي يدلّ على بطلان التعريف الأوّل والثّاني ، أنّ التعريف بهما تعريف بما لا يعلم
__________________
١ ـ قال في اللوامع : الوجود بديهيّ التصوّر ، فإنّه لا شيء أظهر عند العاقل من كونه موجودا ، وأنّه ليس بمعدوم. وبداهة المقيّد تستلزم بداهة المطلق ، لمسبوقيّة المقيّد بالمطلق ، لأنّه جزؤه. وما يقال في تعريفه يشتمل إمّا على دور ظاهر كمن قال : إنّه المنقسم إلى الفاعل والمنفعل ، أو إلى القديم والحادث. أو على أخذ أحد المتساويين في تعريف الآخر ، كمن عرّفه بأنّه ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه. وكلاهما أغلوطة. اللوامع الإلهيّة : ١٣.
وقال : إنّ تصوّر الوجود والعدم ضروري ، وقد ذهب قوم غير محقّقين إلى أنّ تصوّر الوجود كسبيّ وعرّفوه بتعريفات رديّة. إرشاد الطالبين : ٤٢.