قال : أصل ـ كلّ من عرف حقيقة الواجب والممكن كما قلناه عرف بأدنى فكر أنّه لو لم يكن في الوجود واجب لم يكن لشيء من الممكنات وجود أصلا ؛ لأنّ الموجودات حينئذ كلّها تكون ممكنة ، والممكن ليس له من نفسه (١) وجود ولا لغيره عنه وجود ، فلا بدّ من وجود واجب ليحصل وجود الممكنات منه.
أقول : الدليل المشهور في إثبات الواجب هو أنّ هنا موجودا بالضرورة ، فإن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثّر. فإن كان واجبا فالمطلوب أيضا ، وإن كان ممكنا افتقر أيضا إلى مؤثّر ضرورة ؛ لافتقار كلّ ممكن إلى مؤثّر. فإن كان هو الأوّل أو راجعا إليه لزم الدور ، وإن كان غيره أو غير راجع إليه بل راقيا في الترتيب إلى غير النهاية لزم التسلسل ، والدور والتسلسل باطلان ، فيكون الواجب موجودا وهو المطلوب.
ثمّ بيّن بطلان الدور بلزوم تقدّم الشيء على نفسه وبكونه موجودا معدوما (٢) ، والتسلسل ببرهان التطبيق أو غيره من البراهين (٣). والمصنّف شرع في هذا الأصل أن يبيّن إثبات واجب الوجود ببرهان بديع غير متوقّف على بطلان الدور والتسلسل. تقريره أن نقول :
الواجب لذاته موجود في الخارج ؛ لأنّه لو لم يكن موجودا في الخارج لانحصرت الموجودات الخارجيّة كلّها في الممكن ، لكنّ اللازم باطل فالملزوم مثله.
أمّا بيان الملازمة فلما سبق من انحصار الموجود الخارجيّ في الواجب والممكن.
وأمّا بطلان اللازم ، فلأنّه لو انحصر الموجود الخارجيّ في الممكن لم يكن لموجود ما وجود أصلا ، لكنّ اللازم باطل فالملزوم مثله.
أمّا بيان الملازمة فلما تقدّم من حاجة الممكن ، وهو أنّه إذا نظر إليه من حيث ذاته
__________________
١ ـ من الفصول النصيريّة.
٢ ـ الدور هو أن يكون المعلول علّة لعلّته بواسطة أو بغير واسطة ، والمتأخّر من حيث هو متأخّر متقدّما على متقدّمه من تلك الحيثيّة. تلخيص المحصّل : ٤٦٠.
٣ ـ برهان التطبيق في بطلان التسلسل أنّه إنّا إذا أخذنا جملة العلل والمعلولات إلى ما لا يتناهى ، ووضعناها جملة ، ثمّ قطعنا منها جملة متناهية ، ثمّ أطبقنا إحدى الجملتين بالاخرى بحيث يكون مبدأ كلّ واحدة من الجملتين واحدا ، فإن استمرّتا إلى ما لا يتناهى ، كانت الجملة الزائدة مثل الناقصة ، هذا خلف. وإن انقطعت الناقصة تناهت ويلزم تناهي الزائدة ، لأنّ ما زاد على التناهي بمقدار متناه فهو متناه. كشف المراد : ٨٦.