عند المعتزليّ (١) ومن قال بمقالته ، فيكون الممكن موجبا لغيره ، وهو خلاف المقدّمة التصديقيّة.
وأجاب بعض فضلاء تلاميذه فقال : لم لا يجوز أن يكون الفاعل غير هذا الشخص ويكون هو شرطا لذلك الفعل ، لا موجبا له؟
والأولى في الجواب أن يقال : المعتزليّ لا يقول : إنّ هذا الشخص الممكن موجب تامّ لأفعاله ، بل مباشر قريب. وحينئذ نقول : إنّ هذا الشخص ليس موجبا تامّا ، ضرورة توقّف فعله على وجوده وعلى شرائط اخر. ونحن لم نقل : إنّ الممكن لا يكون موجبا مطلقا ، بل لا يكون موجبا تامّا بالنظر إلى ذاته ، فلا يتمّ النقض.
قال : هداية ـ الواجب إذا لم يكن وجوده من غيره كان واجبا من غير اعتبار ذلك الغير ، فلا يمكن فرض عدمه ، وبهذا الاعتبار ، يقال له : الباقي والأزليّ والأبديّ والسرمديّ. وباعتبار أنّ وجود ما عداه منه ، يقال له : الصانع والخالق والبارئ.
أقول : لمّا فرغ من الاستدلال على ثبوت الواجب شرع في إثبات الصفات التي تليق به ، فذكر في هذه الهداية صفتين : إحداهما سلبيّة والاخرى ثبوتيّة. ثمّ ذكر ما يترتّب عليهما من الأسماء ، فهنا فوائد :
الأولى : أنّه تعالى يمتنع عدمه ، وبيان ذلك أن نقول :
واجب الوجود يمتنع عدمه ؛ لأنّ وجوده غير مستفاد من الغير ، وكلّ ما وجوده غير مستفاد من الغير يجب له الوجود بدون اعتبار شيء من الأغيار (٢) ، فواجب الوجود يجب
__________________
١ ـ المعتزلة على المشهور أصحاب واصل بن عطاء ، اعتزل مجلس الحسن البصريّ ، وانضمّ إليه عمرو بن عبيد ، فطردهما الحسن عن مجلسه فسمّوا المعتزلة. وهم يلقّبون بالقدريّة لإسنادهم أفعال العباد إلى قدرهم. ولقّب المعتزلة أنفسهم بأصحاب العدل والتوحيد. المقالات والفرق : ١٣٨ ، الملل والنحل ١ : ٤٩ ، مذاهب الإسلاميّين ١ : ٤٧.
واختلفوا في أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرتهم أم هي واقعة بقدرة الله ـ مع الاتّفاق على أنّها أفعالهم لا أفعاله ، إذ القائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك هو الإنسان ، وإن كان الفعل مخلوقا لله تعالى ، فإنّ الفعل إنّما يستند إلى من قام به ، لا من أوجده ـ فذهب الأشعري إلى أن ليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل إليه : أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإن لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور. وذهب الحكماء والمعتزلة إلى أنّها واقعة بقدرتهم على سبيل الاستقلال بلا إيجاب بل باختيار. شرح تجريد العقائد ، للقوشجيّ : ٣٤١.
٢ ـ «م» الاعتبارات.