والخالق : هو المقدّر للأشياء على مقتضى حكمته ، سواء اخرجت إلى الوجود أولا.
والبارئ : هو الموجد لها من غير تفاوت والمميّز (١) لها بعضها من بعض بالصور والأشكال. وستسمع في تفصيل أسمائه فيما يأتي فضل بيان إن شاء الله تعالى.
قال : أصل ـ ثمّ إنّه إذا تفكّر ، علم أنّ كلّ ما فيه كثرة ـ ولو بالفرض ـ كان وجوده محتاجا إلى الغير ؛ لأنّه محتاج إلى آحاده ، وآحاده غيره ، فكلّ ما فيه كثرة أو قبول قسمة ممكن. وينعكس إلى قولنا : كلّ ما ليس بممكن ليس بمتكثّر ، فالواجب واحد من جميع الجهات والاعتبارات.
أقول : اعلم أنّ الكثرة بديهيّة التصوّر (٢) وهي تارة تكون خارجيّة ، وتارة تكون بالفرض الذهنيّ لا وجود لها خارجا ، كتأليف الماهيّة من الأجناس والفصول. وأشار المصنّف بقوله : «ولو بالفرض» إلى القسم الثاني. والأوّل إمّا أن لا تكون الماهيّة بكلّيّتها موجودة في كلّ واحد من آحاد الكثرة أو تكون. والأوّل تكثّر الماهيّة بأجزائها التي تألّفت ذاتها منها ، كالعدد المؤلّف من الآحاد ، والثاني هو تكثّر الماهيّة بوجودها في جزئيّات كثيرة كالنوع المتكثّر بأشخاصه (٣).
__________________
١ ـ «خ» «ن» : أو المميّز.
٢ ـ الوحدة والكثرة من المعلومات البديهيّة ، فلا يفتقر في تصوّرهما إلى اكتساب تعريف. وما يقال في تعريف الوحدة : بأنّها عبارة عن كون الشيء لا ينقسم ، والكثرة : بأنّها عبارة عن كونه منقسما ، فهو تعريف لفظيّ ، غايته تبدّل لفظ خفيّ بلفظ جليّ. إرشاد الطالبين : ١٤٨.
٣ ـ قد ذكر المصنّف في إرشاد الطالبين أقسام الوحدة والكثرة مفصّلا ، فقال : انقسام المعقول إلى الواحد والكثير من الامور العامّة الشاملة للجواهر والأعراض. فالمعقول إمّا أن يكون منقسما أو لا يكون منقسما ، فالأوّل هو الكثير والثاني هو الواحد. وهو إمّا أن يكون واحدا بالذات أو بالعرض ؛ لأنّ عدم قبول القسمة إمّا أن يكون لغيره ، وهو الواحد بالعرض كالعرض الحالّ في الجوهر الفرد. أو يكون لذاته وهو الواحد بالذات كالجوهر الفرد. ثمّ الواحد بالذات قد يكون واحدا بالشخص. أي يكون مانعا من الشركة كزيد ، فإنّ شخصه واحد لا اشتراك فيه ، وقد يكون واحدا لا بالشخص ، فلا جرم يكون له جهتان : إحداهما تقتضي الكثرة ، والاخرى تقتضي الوحدة. فجهة الكثرة إن كانت متّفقة ، فهو الواحد بالنوع كزيد وعمرو ، فإنّ نوعهما واحد وهو الإنسان. وإن كانت مختلفة فهو الواحد بالجنس كالإنسان والفرس.
ثمّ قال : فالواحد مقول بالتشكيك على هذه الأقسام بالأوّليّة وعدمها ، فإنّ الواحد بالذات أولى بالوحدة من الواحد بالعرض ، والواحد بالشخص أولى من الواحد بالنوع ، وبالنوع أولى من الواحد بالجنس. إلى أن قال : فالاتّحاد في النوع