قوله : «من جميع الجهات والاعتبارات». يريد بالجهات الامور الخارجيّة ، وبالاعتبارات الامور الذهنيّة ، وقد تبيّن عدم جواز التركيب عليه تعالى في شيء منهما.
فائدتان :
الأولى : معنى قولنا : الجزء مقدّم على الكلّ في الوجودين ـ أعني الذهنيّ والخارجيّ ـ أنّ الكلّ لا يتحقّق إلّا بعد تحقّق أجزائه ، فهي علل ناقصة لوجوده ، والعلّة متقدّمة على المعلول.
الثانية : في قول المصنّف : «كلّ ما فيه كثرة أو قبول قسمة» فائدة حسنة ، وذلك أنّ نسبة القسمة إلى الكثرة نسبة التحليل إلى التركيب ، فالقسمة تطرأ على المركّب عند تحليله ، والاجتماع والكثرة يطرءان على المركّب عند تأليف أجزائه. ولمّا كان كلا الأمرين محالا على الواجب ، أراد أن يشير إلى بطلانهما وإن كان استحالة أحدهما موجبا لاستحالة الآخر ؛ لتلازمهما ، إذ ما من كثرة إلّا ويمكن عليها التحليل ، فلا يرد التحليل إلّا على كثرة ، لكن أراد التنصيص على ذلك إرشادا وتنبيها.
قال : أصل ـ حقيقة الواجب أمر واحد ثبوتيّ ؛ لأنّه مدلول دليل واحد ، وهو امتناع العدم. فلو فرض منه أكثر من ذات واحدة لاشتركا في حقيقة الواجب وامتازا بأمر آخر ، فيلزم تركيب كلّ واحد منهما ممّا به الاشتراك وممّا به الامتياز. وكلّ مركّب ممكن ـ لما عرفت ـ فلا يكونان واجبين. هذا خلف ، فحينئذ لا يعقل من حقيقة الواجب إلّا ذات واحدة.
أقول : هذا ما وعدنا به من سلب الكثرة التابعة لوجود الماهيّة في جزئيّات متعدّدة. والمقصود بالذات هنا إثبات الوحدة الشخصيّة له تعالى.
وقد ذكر المصنّف هنا مقدّمة يبني عليها دليله ، وتكون جوابا عن سؤال يرد على دليله ، وتقريرها : أنّ حقيقة واجب الوجود أمر واحد ثبوتيّ ، أي ليس العدم مفهومه ولا جزء مفهومه. وبيّن هذه الدعوى بقوله : «لأنّه مدلول دليل واحد». وبيّن ذلك الدليل