إذا عرفت هذا فاعلم أنّه ذكر في هذه الهداية ثلاث صفات سلبيّة للواجب تعالى :
الأولى : أنّه ليس بمتحيّز ، وهو ظاهر على تفاسير الحيّز بأجمعها ؛ لأنّ كلّ متحيّز لا بدّ أن يكون له امتداد ما للحيّز شاغل له ، ذاهب في جهاته ، وكلّ ما هو كذلك لا يعقل مجرّدا عمّا يشغل بامتداده ويمتلئ به وهو الحيّز ، والحكم بذلك ضروريّ. والحيّز غير المتحيّز فإنّ الشيء لا يمتدّ في نفسه بل في غيره ، فيكون المتحيّز مفتقرا إلى غيره فيكون ممكنا ، فيصدق هنا قياس من الشكل الثاني (١) : الواجب لا يفتقر إلى غيره ، وكلّ متحيّز مفتقر إلى غيره ، ينتج أنّ الواجب لا يكون متحيّزا وهو المطلوب.
الثانية : أنّه ليس بعرض ؛ لأنّه قد علم من تعريف العرض احتياجه إلى محلّه ، ومحلّه غيره ؛ لأنّ المحتاج إليه متقدّم على المحتاج. فلو كان محلّه نفسه لزم تقدّم الشيء على نفسه وهو محال. فلو كان الواجب عرضا لاحتاج في وجوده وتشخّصه إلى غيره فلا يكون واجبا ، هذا خلف.
الثالثة : أنّه لا يمكن أن يشار إليه إشارة حسّيّة ، ودليله : أنّه لو اشير إليه بالحسّ لكان إمّا متحيّزا أو عرضا ، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة أنّ كلّ ما انتهى إليه الخطّ الإشاريّ إمّا أن يكون قائما بذاته ـ أي غير محتاج في وجوده وتشخّصه إلى محلّ يقوم به ـ أو لا يكون. فإن كان الأوّل كان متحيّزا ، وإن كان الثاني كان عرضا.
وأمّا بطلان اللازم فلما تقدّم من استحالة كونه متحيّزا أو عرضا.
فائدة : قيّد الإشارة بكونها حسّيّة ، احترازا من الإشارة العقليّة فإنّها غير مستحيلة عليه تعالى ، فإنّ كلّ محكوم عليه ـ ولو بوجه ما ، أو مقصود قصدا ما ـ فهو مشار إليه عقلا.
قال : تبصرة ـ المعقول من الحلول كون موجود في محلّ قائم به. والواجب حيث
__________________
١ ـ الشكل الثاني هو الّذي يكون الأوسط منه محمولا على الطرفين ، وخاصيّته أنّه لا ينتج إلّا سالبة كلّيّة وسالبة جزئيّة ، وأن تكون الصغرى مخالفة للكبرى في الكيفيّة ، وأن تكون الكبرى كلّيّة. مثاله : المسلم يعتقد بالقرآن ، وكلّ من عبد النار لا يعتقد بالقرآن ، فالمسلم لا يعبد النّار. النجاة من الغرق في بحر الضلالات : ٥٨ ، التحصيل ، لبهمنيار : ١١٧.