أمّا الملازمة الأولى فلما تقدّم من الحصر في القادر والموجب في المقدّمة السابقة.
وأمّا الملازمة الثانية فلأنّه لو كان موجبا فإمّا أن يتوقّف صدور العالم عنه على أمر غير ذاته أو لا يتوقّف. فإن توقّف فالموقوف عليه لا يكون حادثا وإلّا لزم التسلسل ، فتعيّن أن لا يتوقّف على شرط أو يتوقّف على شرط قديم. وهما يستلزمان قدم العالم لقدمه تعالى ووجوب الأثر للمؤثّر الموجب ، كما ذكر في المقدّمة السابقة.
وأمّا بطلان اللازم فقد تقدّم. وهذا الدليل مبنيّ على حدوث العالم ، وقد أورد الحكماء عليه إيرادات.
فتقريره على وجه لا يتوقّف على حدوث العالم أولى ، بأن نقول : الواجب مختار ؛ لأنّه لو كان موجبا لكان إمّا أن يتوقّف تأثيره في حدوث العالم على شرط غير ذاته أو لا. فإن لم يتوقّف يلزم قدم الحوادث الزمانيّة ، وهو باطل بالضرورة. وإن توقّف فإن كان الشرط قديما لزم المحذور المذكور آنفا. وإن كان حادثا يلزم القول بحوادث لا أوّل لها ، وقد تقدّم بطلانه. فثبت اختياره تعالى من غير احتياج إلى إثبات حدوث العالم.
ثمّ نقول : قد ثبت أنّ فعل المختار محدث بالزمان ، فيكون العالم محدثا حدوثا زمانيّا ، فثبت حدوث العالم والاختيار سالمين عمّا ذكروه من الاعتراضات.
قال : إلزام ـ الواجب عند الفلاسفة موجب لذاته ، وكلّ موجب لذاته لا ينفكّ أثره عنه (١) ، فيلزمهم أنّه إذا عدم شيء في العالم ، أن يعدم الواجب ؛ لأنّ عدم ذلك الشيء إمّا لعدم شرطه او لعدم جزء علّته. والكلام في عدمهما كالكلام فيه حتّى ينتهي إلى الواجب ؛ لأنّ الموجودات بأسرها تنتهي في سلسلة الحاجة إلى الواجب ، فيلزم انتهاء عدم ذلك الشيء المفروض إلى الواجب لذاته. وليس لهم بحمد الله عن هذا الإلزام مفرّ.
أقول : هذا دليل آخر على الاختيار وسمّاه إلزاما دون الأوّل : لأنّ اللازم من هذا ـ
__________________
١ ـ قالت الفلاسفة : إنّ الواجب لذاته واجب من جميع جهاته. وذلك يقتضي كون الواجب واجبا من جهة الفاعليّة فيكون فعله قديما لعدم انفكاك أثره عنه. تلخيص المحصّل : ١٠٢. ولازم هذا القول انعدام الواجب بانعدام أيّ شيء في العالم لأنّ عدمه على هذا يستند إلى عدم فاعله ، وهو كما ترى.