واحدة بل أحدهما ، والآخر إمّا أن يكون صادرا عن المعلول أو عن العلّة المفروضة بشرط المعلول ؛ لاستحالة صدوره عنها باستقلالها ، وإلّا لصدر عن الواحد اثنان وهو باطل. وعلى التقديرين يلزم أن يكون أحدهما بالنسبة إلى الآخر إمّا علّة أو جزء علّة أو شرط علّة ، فيلزم حينئذ من عدم أحدهما عدم الآخر ضرورة ؛ إذ يلزم من عدم العلّة أو جزئها أو شرطها عدم المعلول وبالعكس ، إذ عدم المعلول دليل على عدم علّته أو جزئها أو شرطها.
وأيضا : يلزمهم بطريق النقض الإجماليّ وتقريره أن نقول : إنّ دليلكم لو صحّ بجميع مقدّماته لكان عندنا ما يبطله. وهو أنّ التكثّرات المفروضة في العقل الأوّل إمّا أن تكون امورا وجوديّة في الخارج أو عدميّة فيه ، فإن كان الأوّل فإمّا أن تكون صادرة عن الواجب الواحد حقّا أو عن غيره. والأوّل مناقض لقولكم : «الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد». والثاني يلزم منه تعدّد الواجب. وإن كان الثاني لم يكن تأثيرها في الموجودات الخارجيّة معقولا وهو المطلوب.
وفي الإلزام الأوّل نظر ؛ فإنّ لهم أن يقولوا : إنّهما صادران عن علّة واحدة ، لكن كلّ منهما باعتبار ، كما قلناه في العقل الأوّل. وصدور العقل الثاني والنفس والفلك كلّ واحد باعتبار. فلا يتمّ هذا الإلزام إلّا بإبطال صلاحيّة تلك الاعتبارات لمبدئيّة التأثير. نعم ، الإلزام الثاني متّجه.
قال : أصل ـ قد ثبت أنّ فعل البارئ سبحانه ، تبع لداعيه. وكلّ من كان كذلك كان عالما ؛ لأنّ الداعي هو الشعور بمصلحة الإيجاد أو الترك.
أقول : لمّا فرغ من إثبات كونه تعالى قادرا شرع في إثبات كونه عالما. والمراد من كونه عالما هو ظهور الأشياء له وانكشافها بحيث لا يعزب عنه منها شيء.
واستدلّ المصنّف على ذلك بأنّه تعالى مختار ، وكلّ مختار عالم. ينتج : أنّه عالم. أمّا الصغرى فقد تقدّمت. وأمّا الكبرى فلأنّ المختار هو الذي فعله تبع لداعيه. والداعي هو الشعور بما في الفعل أو الترك من المصلحة الباعث ذلك على الإيجاد أو الترك. ولأنّه تعالى فعل الأفعال المحكمة المتقنة أي المشتملة على الخواصّ الغريبة والفوائد الغزيرة ، وكلّ من كان كذلك فهو عالم. أمّا الصغرى فظاهرة لمن نظر في تشريح العالمين : الفلكيّ