واستدلّوا على ذلك بأنّه لو علمه على الوجه الزمانيّ المتغيّر كما إذا علم وجود زيد الآن في الدار ، فعند خروجه منها إن بقي العلم بكونه في الدار كان جهلا ، لعدم مطابقة العلم للمعلوم. وإن زال ذلك العلم وحصل العلم بخروجه لزم حصول علم لم يكن حاصلا أوّلا ، فيحلّ في ذاته علوم حادثة بحسب تجدّد المعلومات ، وأيضا : يلزم التغيّر في صفاته الذاتيّة المستلزم ذلك لتغيّر الذات المقدّسة ، وكلاهما عليه تعالى محالان.
والحاصل : أنّه لو علم الجزئيّ الزمانيّ على وجه يتغيّر ، لزم إمّا نسبة الجهل إليه تعالى ، أو كونه محلّا للحوادث ، أو تغيّر ذاته. واللوازم بأسرها باطلة اتّفاقا ، فكذا الملزوم (١).
وذهب المسلمون كافّة إلى كونه عالما بالجزئيّات الزمانيّة ، مستدلّين بما تقدّم من كونه عالما بكلّ ما يصحّ أن يكون معلوما الذي من جملته هذه الجزئيّات. وما ذكره الفلاسفة غير صالح لعدم تعلّق العلم بها ، لما يأتي من جواب شبهتهم.
قال : وهذا الكلام يناقض قولهم : إنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ، وإنّ ذات البارئ تعالى علّة لجميع الممكنات ، وإنّه تعالى يعلم ذاته. والعجب أنّهم مع دعواهم الذكاء ، كيف غفلوا عن هذا التناقض؟! فهم بين أمور خمسة : إمّا أن يثبتوا للجزئيّات الزمانيّة علّة لا تنتهي في السّلسلة إلى العلّة الأولى ، أو لم يجعلوا العلم بالعلّة موجبا
__________________
١ ـ قال القوشجيّ في «شرح العقائد» : من الفلاسفة من قال : إنّ الله تعالى لا يعلم الجزئيّات المتغيّرة ؛ لأنّه إذا علم مثلا أنّ زيدا في الدار الآن ، ثمّ خرج عنها ، فإمّا أن يزول ذلك العلم ويعلم أنّه ليس في الدار ، أو يبقى ذلك العلم بحاله. والأوّل يوجب التغيّر في ذاته ، والثاني يوجب الجهل ، وكلاهما نقص يجب تنزيه الله عنه. شرح العقائد للقوشجيّ : ٣٣١.
وقال العلّامة في «كشف المراد» عند قول المصنّف : وتغيّر الإضافات ممكن. أقول : هذا جواب عن اعتراض الحكماء القائلين : بنفي علمه تعالى بالجزئيّات الزمانيّة. وتقرير الاعتراض أنّ العلم يجب تغيّره عند تغيّر المعلوم وإلّا لانتفت المطابقة ، لكنّ الجزئيّات الزمانيّة متغيّرة ، فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغيّر علمه تعالى ، والتغيّر في علم الله تعالى محال. وتقرير الجواب أنّ التغيّر هذا إنّما هو في الإضافات لا في الذات ولا في الصفات الحقيقيّة كالقدرة التي تتغيّر نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن لم يتغيّر في نفسها. وتغيّر الإضافات جائز لأنّها امور اعتباريّة لا تحقّق لها في الخارج. كشف المراد : ٢٢٢.
وأورد المصنّف في «إرشاد الطالبين» على هذا الجواب وقال : يلزم أن يكون له تعالى صفة زائدة على ذاته ، وهو باطل. بل الجواب أنّ جميع الموجودات من الأزل إلى الأبد كلّ منها على ما هو عليه منكشف له. إرشاد الطالبين : ١٩٩.