الثاني : جواب محمود الخوارزميّ (١) : وهو أنّ التغيّر في الصفة الذاتيّة إنّما لا يجوز إذا كانت مطلقة ، أمّا إذا كانت مشروطة بشرط فجاز التغيّر بحسب تغيّر ذلك الشرط. فإنّه تعالى كان قادرا في الأزل على خلق العالم فلمّا خلقه زالت تلك القدرة وإن كانت ذاتيّة ؛ وذلك لأنّ إيجاب الذات لتلك القدرة كان مشروطا بعدم المقدور فلمّا وجد زالت تلك القدرة لزوال شرطها. فكذا هنا كان عالما بكون زيد في الدار مشروطا بعدم خروجه فلمّا خرج زال ذلك العلم.
الثالث : جواب أبي الحسين البصريّ (٢) : وهو أنّ علمه الأوّل لم يزل ؛ لاستحالة زوال الصفة الذاتيّة ، وتجدّد له علم آخر لتجدّد شرطه وهو وجود المعلوم.
الرابع : جواب بعض شيوخنا المتقدّمين (٣) وقريب منه جواب المصنّف ، وهو : أنّ ما ذكروه إنّما يتمّ على تقدير كون علمه زائدا على ذاته وهو باطل كما يجيء ، بل علمه عندنا نفس ذاته المقدّسة. ويلزمه أنّ العلم مطلق الإضافة إلى المعلوم الذي لا يتغيّر ، وإذا تغيّر المعلوم تتغيّر الإضافة الخاصّة التي بينه وبين الذات ، ولا يلزم من تغيّرها تغيّر الذات ؛ لعدم كون تلك الإضافة بخصوصيّتها ذاتيّة أو لازمة. وأيضا : فإنّا نعلم ضرورة أنّ من علم متغيّرا لم يلزم من تغيّره تغيّر في ذاته.
قال : فائدة ـ الحيّ عند المتكلّمين : كلّ (٤) موجود لا يستحيل أن يقدر ويعلم. والبارئ تعالى ثبت أنّه قادر عالم ، فوجب أن يكون حيّا بالضرورة.
أقول : هذه أيضا من صفاته الثبوتيّة ، فقال الحكماء : معنى أنّه حيّ أنّه الدرّاك الفعّال.
__________________
١ ـ محمود بن أحمد بن محمّد بن العبّاس بن أرسلان ، أبو محمّد الخوارزميّ. فقيه شافعيّ من أهل خوارزم مولدا ووفاة ، سمع الحديث بها ، وصنّف : الكافي في نظم الشافي. الأعلام للزركلي ٧ : ١٨١.
٢ ـ أبو الحسين البصريّ محمّد بن علي بن الطبيب. شيخ المعتزلة ، والمتكلّم على مذهبهم ، وصاحب التصانيف الكلاميّة ، منها : المعتمد ، وتصفّح الأدلّة ، وشرح الأصول الخمسة. سكن بغداد ومات بها سنة ٤٣٦ ه. العبر ٢ : ٢٧٣. شذرات الذهب ٣ : ٢٥٩.
٣ ـ لعلّه إشارة إلى ما أجاب به العلّامة في «كشف المراد» عن اعتراض الحكماء القائلين بنفي علمه تعالى بالجزئيّات الزمانيّة ، بأنّ التغيّر إنّما هو في الإضافات ، لا في الذات ولا في الصفات الحقيقيّة ، كالقدرة التي تتغيّر نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن لم تتغيّر في نفسها. وتغيّر الإضافات جائز لأنّها امور اعتباريّة. كشف المراد : ٢٢٢.
٤ ـ الفصول النصيريّة : هو.