وأمّا المتكلّمون ، فقالت الأشاعرة : إنّ حياته تعالى صفة قديمة قائمة بذاته تعالى ، يقتضي له صحّة القدرة والعلم.
وقال أكثر المعتزلة : إنّها حالة زائدة على ذاته ، يقتضي لها صحّة القدرة والعلم.
واحتجّ الفريقان على الزيادة بأنّه لولاها لزم التخصيص بغير مخصّص في إثبات القدرة والعلم له ؛ لاشتراك الذوات في الذاتيّة.
وقال أبو الحسين البصريّ ومن تابعه من المحقّقين : إنّ معناه أنّه لا يستحيل أن يقدر ويعلم ؛ لما تقرّر من استحالة كون صفاته تعالى زائدة على ذاته. ونفي الاستحالة لا يستلزم عدميّة مفهومها ، إذ معناه الإمكان العامّ الشامل للواجب والممكن ، فلفظها سلب ومعناها إثبات.
إذا عرفت هذا ففي قول المصنّف : «الحيّ عند المتكلّمين كلّ موجود لا يستحيل أن يقدر ويعلم» نظر ، إذ ذاك مذهب أبي الحسين ومن تابعه لا غير ، لما تلوناه من النقل عن الأشاعرة والمعتزلة (١).
قال : فائدة ـ علمه تعالى بأنّ في الإيجاد أو الترك مصلحة يسمّى إرادة ، وعلمه بالمدركات يسمّى إدراكا ، وعلمه بالمسموعات والمبصرات يسمّى سمعا وبصرا ، فهو تعالى باعتبارها يسمّى مريدا (٢) ومدركا وسميعا وبصيرا.
أقول : ذكر في هذه الفائدة صفات أربعا ثبوتيّة له تعالى :
الأولى : كونه مريدا ، ولا شكّ أنّ الواحد منّا إذا علم أو ظنّ أو توهّم في فعل ما من الأفعال مصلحة من المصالح يجد من نفسه ميلا وداعيا إلى تحصيل ذلك الفعل وإيجاده.
وأيضا : تقرّر في العلوم الإلهيّة كون كلّ حركة اختياريّة مسبوقة بالتصوّر الجزئيّ
__________________
١ ـ قال المصنّف في شرحه على «نهج المسترشدين» : اتّفق العقلاء على وصفه تعالى بالحياة. واختلفوا في معنى ذلك ، فذهب الذين يقولون بزيادة الصفات على ذاته ـ وهم جمهور المعتزلة والأشاعرة ـ إلى أنّ له تعالى صفة ثبوتيّة زائدة على ذاته هي الحياة ، لأجلها يصحّ أن يقدر ويعلم. وذهب نفاة زيادة الصفات ـ وهم الحكماء وأبو الحسين البصريّ والمحقّقون ـ إلى أنّها صفة سلبيّة ، ومعناها أنّه لا يستحيل أن يقدر ويعلم. ولا شكّ أنّ هذا الوصف ثابت له تعالى ضرورة بعد ثبوت كونه تعالى قادرا وعالما. والحكماء فسّروا الحيّ بأنّه الدرّاك والفعّال. إرشاد الطالبين : ٢٠٢.
٢ ـ الفصول النصيريّة بزيادة : وكارها.