والذّوق ، واللّمس. والمراد بالسمع هو إدراك الأصوات والحروف بالقوّة المودعة في الصّماخ ، الذي هو العصب المفروش داخل الاذن. والمراد بالإبصار هو إدراك الألوان والأضواء بالذات وغيرهما بواسطتهما بالقوّة المودعة في العين ، أو بالانطباع ، أو بخروج الشعاع. والمراد بالشمّ هو إدراك الروائح بالقوّة المودعة في الحلمتين النابتتين في مقدّم الدّماغ. والمراد بالذوق هو إدراك الطعوم بالقوّة المودعة في سطح اللسان بتوسّط الرطوبة اللعابيّة. والمراد باللمس هو إدراك الكيفيّات الأربع وتوابعها بقوّة منبثّة في البدن كلّه. فقد ظهر توقّف هذه الإدراكات على الحواسّ. وحيث ورد النقل الشريف بوصفه بالإدراك استحال حمله على هذه المعاني ؛ لاستحالة الحواسّ عليه تعالى. فوجب حمله على غير ذلك لما تقرّر أنّه مع معارضة العقل النقل يجب تأويل النقل بما يطابق العقل ، فحملنا ذلك على العلم مجازا ، تسمية للمسبّب ـ الذي هو العلم ـ باسم سببه ـ الذي هو الإدراك ـ لأنّ الحواسّ مبادي اقتناص العلوم الكلّيّة. فمن فقد حسّا فقد فقد علما ؛ فلذلك فسّرنا كونه مدركا بأنّه عالم بالمدركات ، وكونه سميعا بأنّه عالم بالمسموعات ، وكونه بصيرا بأنّه عالم بالمبصرات. ودليل ذلك كلّه كونه عالما بكلّ معلوم الذي هذه المدركات من جملتها ، فيكون عالما بها وهو المطلوب.
قال : أصل ـ كلّ ما في الجهة محدث ، والواجب ليس بمحدث ، فلا يكون في جهة. وإذا لم يكن في جهة لم يكن إدراكه بآلة جسمانيّة ؛ لأنّه لا يدرك بها إلّا ما كان في جهة قابلا للإشارة الحسّيّة. ويعلم من ذلك أنّه لا يرى بحاسّة البصر ؛ لأنّ الرؤية بها لا تعقل إلّا مع المقابلة وهي لا تصحّ إلّا في شيئين حاصلين في الجهة ، فكلّ ما ورد ممّا ظاهره الرؤية اريد به الكشف التامّ.
أقول : يشير في هذا الأصل إلى ثلاث صفات سلبيّة ، كلّ واحدة منها مترتّبة على ما سبقها ، والسابق منها علّة ودليل على اللاحق.
الأولى : كونه ليس في جهة. والمراد بالجهة هو مقصد المتحرّك ومتعلّق الإشارة. والدليل على هذه الدعوى قياس من الشكل الثاني.
تقريره : الواجب ليس بمحدث ، وكلّ ما في الجهة محدث. ينتج : أنّ الواجب ليس