فقالت المعتزلة : المراد بالكلام هو الحروف والأصوات المنتظمة الدالّة على المعاني. والمراد بالمتكلّم من أوجد هذه الحروف والأصوات ، وأنّ تلك الحروف والأصوات حادثة. واستدلّوا على الأوّل بأنّ ذلك هو المتبادر إلى الذهن من إطلاق لفظ الكلام ، ولهذا لا يقال عن الأخرس : إنّه متكلّم. وعلى الثاني بأنّ المتكلّم اسم فاعل عند أهل اللغة وهم لا يطلقونه إلّا على من وجد منه الفعل. وعلى الثالث بأنّه عرض مفتقر إلى موضوع وهو غير باق ضرورة. وأيضا : هو مركّب من الحروف التي يعدم السابق منها بوجود اللاحق. وهذه كلّها دلائل الحدوث فلا يكون قديما.
وقالوا : المراد بكونه تعالى متكلّما هو أنّه أوجد حروفا وأصواتا في أجسام جامدة يعبّر بها عن مراده ؛ لأنّ هذا أمر ممكن والله تعالى قادر على كلّ الممكنات ، كما تقدّم.
وقالت الأشاعرة : إنّ الكلام وإن اطلق على ما ذكرتم لكنّه يطلق أيضا على معنى قائم بالنفس ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار ولا غير ذلك ، بل هذه الامور عبارات عنه ، كما قال الأخطل (١) :
إنّ الكلام لفي الفؤاد ، وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
والله تعالى متكلّم بمعنى أنّه قائم بذاته ذلك المعنى. قالوا : وهو قديم ؛ لأنّه صفة له تعالى ، وكلّ صفاته قديمة.
قوله : «فإن قيل» إلى آخره ، إشارة إلى كلام الأشاعرة هنا. وتقريره : أنّا لا ننكر كون الحروف والأصوات كلاما ، ولا أنّها حادثة ، بل نقول : إنّ له تعالى صفة قديمة قائمة بذاته ، تصدر عنها الحروف والأصوات. وتلك الصفة يعبّر عنها بالكلام.
قال المصنّف : إنّا بيّنّا أنّ هذه الحروف صادرة عنه بقدرة واختيار وعلم ، ولا يتصوّر
__________________
السادس : أنّه إنّما يتحقّق بالمباحثة وإدارة الكلام بين الجانبين ، وغيره قد يتحقّق بالتأمّل ومطالعة الكتب.
السابع : أنّه لابتنائه على الأدلّة القطعيّة المؤيّدة أكثرها بالأدلّة السمعيّة أشدّ العلوم تأثيرا في القلب وتغلغلا فيه ، فسمّي بالكلام المشتقّ من الكلم وهو الجرح. شرح العقائد النسفيّة : ١٥ ، جامع العلوم ٣ : ١٣٤ ، مذاهب الإسلاميّين ١ : ٢٩.
١ ـ غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو. التّغلبيّ النصرانيّ ، الشاعر المعروف المقرّب عند خلفاء بني أميّة لمدحه إيّاهم وانقطاعه إليهم. وهو أحد الثلاثة المتّفق على أنّهم أشعر أهل عصرهم : جرير ، والفرزدق ، والأخطل. الكنى والألقاب ٢ : ١٢ ، الأعلام للزركليّ ٥ : ١٢٣.