فذلك لا حرج في تسميته به ، بل يجب امتثال الأمر الشرعيّ في كيفيّة إطلاقه عليه بحسب الأحوال والأوقات والتعبّدات ، إمّا وجوبا أو ندبا.
الثالث : ما يجوز إطلاقه عليه ولكن لم يرد ذلك في الكتاب ولا السنّة الشريفة كالجوهر ، فإنّ أحد معانيه كون الشيء قائما بذاته غير مفتقر إلى غيره ، وهذا المعنى ثابت له تعالى.
قال المصنّف رحمهالله : يجوز تسميته تعالى به ؛ إذ لا مانع في العقل من ذلك ، لكنّه ليس من الأدب ؛ لأنّه وإن جاز عقلا إطلاقه ولم يمنع منه مانع لكنّه يجوز أن لا يناسبه من جهة أخرى لا نعلمها ؛ إذ العقل لم يطّلع على كافّة ما يمكن أن يكون معلوما ، فإنّ كثيرا من الأشياء لا نعلمها لا إجمالا ولا تفصيلا. وإذا جاز عدم المناسبة ولا ضرورة داعية إلى التسمية فيجب الامتناع من جميع ما لم يرد به نصّ شرعيّ من الأسماء ، وهو المطلوب. وهذا هو معنى قول العلماء : إنّ أسماءه تعالى توقيفيّة ، أي موقوفة على النصّ والإذن في إطلاقها.
قال : ختم وإرشاد ـ هذا القدر في معرفة الله تعالى وصفاته ـ التي هي أعظم أصل من اصول الدين ، بل هي أصل الدين ـ كاف ؛ إذ لا يعرف بالعقل أكثر منه ، ولا يتيسّر في علم الكلام التجاوز عنه ، إذ معرفة حقيقة ذاته المقدّسة غير مقدورة للأنام ، وكمال ألوهيّته أعلى من أن تناله أيدى الظنون والأوهام ، وربوبيّته أعظم من أن تتلوّث (١) بالخواطر والأفهام. والذي (تعرفه العقول) (٢) ليس إلّا أنّه موجود. إذ لو أضفناه إلى بعض ما عداه ، أو سلبنا عنه ما نافاه ، خشينا أن يوجد له بسببه وصف ثبوتيّ أو سلبيّ ، أو يحصل له به نعت ذاتيّ معنويّ ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
أقول : لمّا فرغ من باب التوحيد شرع في ختمه بأحسن إرشاد للطالب في ألطف عبارة وأوجز إشارة ، وبيان ذلك في فوائد :
__________________
١ ـ «م» : تتلوّن.
٢ ـ ما بين القوسين في «خ» : نعرف منه خاصّة. وفي «ن» «ح» : نعرفه. وفي الفصول النصيريّة : والذي يعرف منه خاصّة.