ومع امتداد هذه الطرق أشجار مغروسة في غاية الارتفاع والخضرة مصطفة ، عندما يقرب من منتهى المحجين اللذين يمشي فيهما الراجلون ، فنراها مصطفة عن اليمين واليسار ، وذلك بقصد الزينة واستحسان المنظر. وبين كل شجرتين ست عشرة خطوة ، وبين كل شجرتين قطعة نحاسية قائمة مخروطة بخرط عجيب ، طولها نحو ثلاثة أذرع أو أزيد ، برأسها فنار كبير. شكله مستدير ، دائرته العليا أعظم من السفلى بكثير ، وهذه الفنارات توقد كلها ليلا ولا تنطفئ حتى يمضي من الليل نحو ثلاثة أرباعه ، / ٤٦ / لاشتغال أهل البلد بأمور دنياهم بالليل كاشتغالهم بها بالنهار ، وبعد الفجر بيسير يأتي أناس من رجالهم ، فيفتحون تفاجير (١) الماء عن اليمين واليسار بين ملتقى طرق الأكداش وطريقي الراجلين ، فترى الماء يجري في الحدين المذكورين ، يحده من جهة طريق الراجلين الرافد المرصف هناك ، ومن جهة طرق الأكداش الانحداب الذي في الطرق ، ليلا ينبسط الماء من الجهتين إذا كانت طريق الأكداش منبسطة ، فيتلاقى ببعضه البعض فيكثر الوحل في ذلك الطريق. وعند تفجير الماء واتصال بعضه ببعض يأخذ البعض من الناس المذكورين في تشطيب سائر الطرق. وآخرون وراءهم يجمعون ما يشطبونه ، ويجعلونه في الكروصات ، ويرمونه في مواضعه المعروفة عندهم. وهذا الذي يجمع من التشطيب إنما هو روث الخيل التي تجر الأكداش والكروصات مع شيء من غبرة الأرض. فإياك أن تتوهم / ٤٧ / أنها أزبال ترمى في وسط الطريق ، كلا ما رأينا شيئا من ذلك ، فإذا رفعت تلك الأزبال أخذ أناس آخرون يرشون تلك الطرق كلها رشا معتدلا ، لا كثيرا ولا قليلا ، تمهيدا وركضا لغبرة الأرض ، وما ذكرناه من الأشجار والفنارات والنظافة هو ليس خاصا بطريق واحد أو عدة طرق ، بل الطرق كلها كذلك ، إلا النادر منها في أطراف البلد ، وديارها جلها من أربع طبقات وتنتهي إلى سبع طبقات (٢) ، وسراجيمها مفتوحة إلى الطرق وطولها على طول ارتفاع تلك الصالات ، وبين السرجم والسرجم من البناء مثل
__________________
(١) يقصد المضخات المائية.
(٢) نظرا لشدة المنافسة بين القطاع الثاني والثالث داخل المدن ، ترتفع أثمنة الأرض فيتم اللجوء إلى البناء العمودي ، من أجل أن تكون المردودية أحسن.