ريال في كل شهر.
بعض أوصاف باريس
وأما طرقها فهي أعرض بكثير من طرق مرسيلية ، والأشجار ممتدة معها من الجهتين ، والفنارات بينها مرفوعة على أعمدة من النحاس المخروط المورق. من أسفله عريض ، ثم يتناقص تدريجيا إلى أعلاه. وكنت أتعجب من استقامة تلك الأشجار بحيث لا ترى في أصولها شيئا من الاعوجاج ، حتى وقفت على العلة في ذلك في الأشجار الصغيرة ، وذلك أنهم يتخذون خشبة طويلة مستقيمة ولعلها تغرس في آن واحد حين غرس الشجرة ويربطونه معها ، ويجعلون حائلا رطبا بما يلي الشجرة ، وبأصولها دوائر حديد يوصل بعضها ببعض بقضبان منه ، ويبقى تحتها فضاء بينها وبين أصل الشجرة ، وانظر ما السر في ذلك ، وفي بعض الطرق أماكن في غاية التوسعة ، مغروسة كلها بالأشجار ، محدقة بألوان النوار ، وبين الأشجار شيليات ، فبعض هذه المواضع يتخذ للقهوة ، ويوجد مثله يتخذ أسواقا للخضر والنوار وغيرهما ، وتلقى في بعض الطرق خصات / لعلها من رخام أسود على كيفية عجيبة ، وذلك أن أصل الخصة يحيط به صور آدميين سود ، بين أرجلهم صورة حوت ، ينبع الماء من فيه ، يرمى أمامه ، وفوق هذه الصور بنحو ثلاثة أذرع بحسب ما يرى الرائي من بعد خصة مستديرة ، وفي وسطها بناء مرتفع على هيئة المظل ، ينبع الماء من رأسه ، وينزل في تلك الخصة. وأمام تلك الصور السفلية صور آدميين دائرين بتلك الصور ، بينهم بعد أمامهم وهم ماسكون شيئا بأيديهم قد ضموه إلى صدورهم ، والماء يخرج منه مرتفعا يرمى وراءهم إلى تلك الخصة التي فوقها المظل. ثم صهريج كبير مستدير محيط بالجميع ، وتتبع وصف ذلك كله يطول.
وفي اليوم الذي دخلنا فيه لباريس وهو يوم الخميس منتصف جمادى الأولى المذكور (١) بعدما نزلنا بتلك الديار ، قدم رجل من كبراء الدولة وهو قائد المشور عندهم
__________________
(١) يقصد الحدائق العمومية ومن أشهرها بباريس لوكسمبورغ. ٨ يونيو سنة ١٨٧٦ م.