الذين خرجوا من الكهوف ، لكنهم عند خروج البارود تراهم يتساقطون على الأرض ، وكأنهم أصابهم البارود وماتوا به ، فلا ترى أحدا منهم يتحرك ، فعند ذلك يرسلون ذلك الستر ، ويشرعون في أعمال أخر لا حاجة إلى ذكرها ، ومع هذا حين لعبهم يكون أصحاب الموسيقا مشتغلين بها ، وعددهم أظنه يزيد على المائة ، ولم أدر هل كل واحد منهم بيده آلة (١) / ١٥٠ / مغايرة لغيرها ، أو تتعدد آلة الطرب عندهم ، وهذه الديار متعددة في باريز ، في كل حومة منها عدد كثير ومبدأ الفرجة عندهم من الغروب وكان عنهم في الوقت الذي كنا فيه يزيد على الساعة الثامنة بخمس دقائق (٢) ، وهي الغاية عندهم ، وتمتد الفرجة إلى ثلاث سوائع أو أربع أو أقل.
صفة طرق باريس وأحوال الخدمة
وأما طرق هذه المدينة فيبيت الضوء مشعولا في فناراتها المنصوبة في الطرق إلى الشروق. وأما الخدمة أصحاب الأكداش الذين يحملون السلع من البابورات إلى المدينة ، وينقلون السلع منها إلى البابورات ، فلا تفتر خدمتهم ليلا ولا نهارا ، وإنما تقل الخدمة قرب الفجر لا غير. وأما في وسط النهار ومنتصف الليل ، فتراهم بين غاد ورائح ، كأن الحرب مشتعلة بينهم وكل يجري حسب جهده وطاقته ، وإذا نظرت إلى الطرق من الأعلى ترى كأن المحلة دخلت البلاد ، وبعضهم يجري على بعض ، وعند
__________________
(١) ابتداء من الصفحة / ١٥٠ / نجد صفحات مخطوط الرحلة مسطرة بخطوط أفقية ، وازداد عدد الأسطر من ١٢ إلى ١٦ في الصفحة الواحدة.
(٢) في الهامش طرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي (وذلك لأن عرض باريس ٤٩ والميل المعدل ٢٣ فيكون نصب القوس إذن ٨٥ فيزيدون تعديل الغروب في ذلك. أن تكون الشمس وقتئذ في أول السرطان والشهر العجمي يونيو في اصطلاحنا وليس اصطلاحهم ٢١ منه والله أعلم).
حسب التوهيمات الفلكية تقسم الأرض إلى ٣٦٠ درجة ، والشمس في حركتها الظاهرية تقطع هذه المسافة في ٢٤ ساعة (١ ساعة ـ ١٥ درجة) ، وعدد درجات الطول التي بينهما ـ ٥ ، ٨ أدرج* ٤ ـ ٣٤ دقيقة ، وباريس شرقية من سلا والرباط فيتقدم الوقت فيها بمقدار ذلك.