فيه على سوق متسع البراح ، وفيه خلق كثير ، فتكلم القائد مع رجل به ، فنصب طرونبة (١) قائمة ، وفتح فاها ، فصار الماء يخرج منها ويتصاعد حتى جاوز الأسطحة العالية بجهد عظيم. وسئل عما يتصاعد هذا الماء فقيل يصعد عشرة مياتير ، وأخبرنا أنه وقع حريق في أربع عشرة دورا فركبت الطرونبات مثل هذه وأطفئت تلك النار في ثلث ساعة ، ثم هممنا بالرجوع فتكلم الترجمان (٢) وذكر أن القائد يطلب من الباشدور فابورا بتأنيه هنا نحو ربع ساعة ، ليلبس ثيابه /١٧٠/ ويخرج معنا لمحل مكينة الغاز الذي تشعل منه المدينة ، فدخلنا للقبة التي وجدناه فيها أولا ، وجلسنا فأوتي إلينا بموائد القهوة والحلواء ثانيا ، من جملتها حلواء معقودة على حبوب العنب الذي يصنع عندهم بالمكينة ، فتناولنا شيئا يسيرا ، ثم قدم علينا القائد وقد نزع ثياب لباسه الفاخرة المرصعة بالذهب ، ولبس الثياب التي تلبسها العامة منهم.
توجهه مع الباشدور لمحل صنع الغاز وشرح كيفيته
وخرجنا فركب مع الباشدور في كدشه المعين له ، وركبنا نحن في أكداشنا تابعين له ، إلى أن وصلنا إلى محل صنع الغاز ، فوجدنا بقربه كدي عظيمة من الفاخر (٣) تأتي به البابورات البرية من نواحي كثيرة ، فمنه ما هو من معدن بلادهم ، ومنه ما هو
__________________
(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.
(٢) ابراهام سكسAbraham Succic، كان منذ سنة ١٨٦٦ م يضطلع بمنصب الترجمان الأول بالقنصلية البلجيكية بطنجة ، ورافق سفارة الزبيدي طيلة مقامها ببلجيكا كترجمان رسمي للدولة. وحسب رسالة الطريس إلى السلطان بتاريخ ٢٦ أبريل ١٨٩٠ م أنه تورط صحبة منصور ملحمة ترجمان ألمانيا بطنجة ، في شراء أرض لفائدة شركة فرنسية بوهران ب ٦٠٠ ريال بناحية المنار ، وادعيا أنهما فعلا ذلك ب ٠٠٠ ، ٢٦ ريال ، وكان معه أحد أقاربه يدعى يعقوب سكس كترجمان ثاني منذ ١٨٨٥ م. الاستيطان والحماية ، بو شعراء ، ج ٢ : ٥٤٢).
(٣) يستخرج من الفحم الحجري الغاز (آلية تغويز الفحم) الذي يستعمل في الإنارة والطهي في المدن ، ويسمى عادة غاز الاستصباح كطاقة رخيصة. (البخار والآلات البخارية ، د. عبد الله صبري ، د. محمد مصطفى أنور ، د. محمد أبو بكر إبراهيم ، القاهرة ، ١٩٥٧).