عند ذلك على وجه المداعبة ، أخبرنا يا مهندس عن كل هذه المدينة وعن طولها وعرضها. فقلت : ناولني المرءاة التي كان أمر مولنا المنصور بالله بشرائها ، التي تقدر بها الأبعاد (١) ، ونخبرك ـ بحول الله ـ عن مطلبك. ثم نزلنا إلى الأسفل فكان عدد الدرج التي ارتقيناها مائة وثمانين درجة. وهي تدور حول شكل مثمن بني بالرافد المنجور قد فتحت فيه كوات تشرف منها على أسفله فيرى باطنه كالبئر.
التوجه إلى مدينة الياج (٢) لرؤية فابريكاتها
وعند رجوعنا أخبرنا بأن كبير هذه الدولة أذن لنا بالتوجه في بابور البر لمدينة تسمى الياج ، بقصد رؤية الفابريكات التي فيها ، اعتناء منه بالجانب العالي بالله ، فخرجنا إليها وركبنا في بابور البر في الساعة العاشرة من نهار الاثنين العاشر منه ((٣) ، بعدما كان هيّأ لنا عربة مزخرفة ، فيها أربع كنابيس وشليتان كبيرتان ، ذلك بالموبر الأخضر ، فجلس كل منا في محل يناسبه ، وحين سافرنا رأينا الأرض التي عن يميننا وشمالنا كلها مزارع ، والأشجار والأنهار ممتدة معها. ومررنا بجبال خرقت للبابور فكان يمر تحتها ، ولو لا الضوء المتخذ في سقف العربية ما كان أحدنا يرى غيره ، فمر ثابتا في هذه الطريق تحت أحد عشر جبلا ، منها ما قطعه في دقيقة ، وفي دقيقتين ، وفي ست دقائق ، وما بين ذلك ، ومنها ما قطعه في عشر دقائق مجانية ، وقد اتخذ فيه مواضع توقد دائما ، والطرق في وسطه متعددة ، وكثيرا ما يلتقي فيه بابوران ، كل منهما يجري على طريقه /١٨٤/ يتقدم لهم من الإعلام بذلك ، ويتقرر عندهم على حسب مصطلحهم ليلا تقع المصادمة والعياذ بالله ، وأما القناطير التي مررنا تحتها فهي كثيرة جدا ، ومررنا على مدن وقرى عديدة ، فكان البابور يقف في
__________________
(١) نظارة مزدوجة للأبعاد أو آلة المقراب البصري Jumelles.
(٢) Liege.
(٣) ٣ يوليوز سنة ١٨٧٦ م.