وهكذا. ثم تنقل هذه الناعورة التي ملئ حرفها بقضيب الخفيف ، وتركب قرب مكينة أخرى تقبض رأس ذلك القضيب ، وتصير تجذبه وناعورته تدور دورانا خفيفا. وكلما مر منه مقدار خفيفة طولا ينزل عليه طرف حديد محدد يفصله من القضيب ، وينزل إلى الأرض. ثم يجمع ما ينزل منه إلى الأرض ، ويوضع أمام صبيان صغار مقابلين لميكنات أخر ، فيها نواعير مبسوطة محفور فيها قوالب القطع من الخفيف الذي وضع أمامهم ، وهم يركبون كل قطعة منه في قالبها ، وتلك الناعورة تدور دوران الرحى ، وينزل على كل قالب قطعة حديد ، تلقاه قطعة الخفيف ، فتصير أحد رأسيه مخروطا به ثقب ، والآخر مبسوطا ، لكن فيه تقصير ثم يرسل إلى نواعير أخر ثلاث غير هذه لتمام تصفية تلك الحقيقة. وهذا الموضع الذي يخدم فيه هذا الخفيف طويل جدا عريض كذلك. والمكينات منصوبة فيه مثل مناسج الطرازة ، مكينة قرب أخرى. ومن شدة طول هذا الموضع حتى أنه لا يتميز الرجل من المرأة من الناس الذين بمنتهاه ، وفيه من الخدمة ستة آلاف كما قيل ، كلها مكلفة بخدمة الخفيف.
كيفية صنع الكور
ثم دخلنا إلى محل آخر يفرغون فيه الكور (١) المستطيل المخروط الرأس على هيئة القوالب من السكر ، فوجدنا هناك قوالب مربعة ، /٢٦٨/ يجعلون في وسطها قالب الكورة التي يريدون فرغ مثلها ، ويملأون ما بين القالب والكورة بالتراب ويدركونه دكا كثيرا ، ثم ينزعون الكورة منه وقد بقي مثالها في وسط القالب ، فيفرغون من التخليطة التي تذوب ، ويتركونه هنيئة حتى تجمد ، ثم يضربون القالب بميجم من عود طويل اليد ، فينحل القالب ، ويتساقط التراب ، وتبقى الكورة صامتة وفيها حفر مربعة كانت محفورة في القالب ، يجعلون فيها بعد هذا مسامير مربعة نحاسا ، تبقى نائتة عن جرم الكورة بمقدار نصف أصبع ، لأن مثالها محفور أيضا في جوف مدفعها ،
__________________
(١) يطلقها المغاربة على كل شيء مكور ، ومنه قذيفة المدفع التي كانت فيما سلف مكورة ، ويستعملون في هذا المعنى أيضا كلمة بومبةBomba الإسبانية.