في محل آخر ، لكن الذي نقل إلينا أن الأناس يكونون خارجين عن جرم القبة ، لأنها مملوءة بالغاز وهم بالمجالس المحيطة بها من أسفلها ، وأنهم يكتبون مكاتب ويرمونها من أيديهم ، بعدما يجعلون بها خيطا رقيقا وورقات كبار من الكاغد مصبوغة بالسواد لترى عند نزولها ، ويخبرون في تلك الكتب بما يرونه من أحوال الجو والمدن وغير ذلك ، ويختارون لذلك يوما لا ريح فيه ، وأنهم ينتهون في صعودهم إلى محل يفقدون فيه الهواء وتضيق أنفسهم ويشتد بهم البرد ، /٢٧٦/ حتى أنهم لا يرون إذ ذاك إلا الفلك من فوقهم ومن تحتهم ، ولا يرون أرضا ولا بحرا ولا مدنا ولا غيرها. وربما مات بعضهم من شدة البرد وضيق النفس ، وكان يقال إن هؤلاء الصاعدين يقبضون على الصعود مالا معتبرا. فقيل لنا هم الذين يدفعونه لأجل الصعود والفرجة ونيل تلك الرتبة والافتخار بها.
الدار التي تصنع الخبز للعسكر
في يوم الثلاثاء السابع عشر (١) منه ، خرجنا إلى دار يصنعون فيها الخبز للعسكر، وجدنا فيها بيوت النار عديدة وخناشي كثيرة مملوءة بالدقيق الخالص الصافي ، وخزانات فيها خبز كبير موضوع. قسمت واحدة بسكين فإذا هي من ذلك الخالص ، وأما الرحى التي تطحن الزرع بالمكينة ، فقيل إنها عندهم بمحل آخر ، ووجدنا بعضا من العسكر يفتحون صناديق من العود مثل صناديق الكبريت في الجرم ، ويخرجون منها الفجماط (٢) يزيلون الغبرة التي به ويمسحونه ويردونه إلى تلك الصناديق ، ليكون موجودا وقت الفيرة (٣) ، وقيل إن ذلك الفجماط يصير في تلك الصناديق ثمانية عشرة شهرا ، وأن تلك الدار يصبخ فيها من الخبز ما يكفي خمسين ألفا من العسكر إذا احتيج إلى ذلك.
__________________
(١) ٨ غشت سنة ١٨٧٦ م.
(٢) أو البجماط : نوع من الفقاص أو الخبز اليابس.
(٣) انظر شرحه بالملحق رقم : ٤.