وكل واحد قدامه كتاب وكبيرهم مقابل لهم ، فعند إشرافنا على الدخول عليهم تكلم معهم الكبير فوقفوا وأشاروا بالسلام ، وذكر أنهم يأتون إلى هذه الدار في الساعة الخامسة من صباح كل يوم (١) ، ولا يخرجون منها حتى تصل الساعة الحادية عشرة ليلا ، فيكون مدة مقامهم بهذه الدار ثمان عشرة ساعة ، وتبقى لهم من اليوم بليلته ست سوائع للنوم والاستراحة ، ولهم في هذه الدار مطابخ عديدة ومواضع للأكل وطوابل وشوالي على عادتهم ، وفي بعض المواضع موسيقا حيث دخلنا إلى تلك المواضع تقدم بعض المتعلمين إلى تلك الموسيقا وصار يخدم بها هنيئة بنغمات عجيبة لطيفة.
وفي الساعة التاسعة عدا ثنتي عشرة دقيقة ، ركبنا في بابور البر من باريس قاصدين مدينة اليون ، للمرور عليها إلى بر إيطاليا ، ذلك من ليلة الجمعة العشرين من رجب (٢) ، وخرج معنا ترجمان الدولة الفرنصوية مع ترجمانهم الذي كان طلع من طنجة.
زيارة رأس بعض جبال ليون
وكان دخولنا إلى ليون في الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة ، فتكون مدة السفر بينهما إحدى عشرة ساعة وثنتي عشرة دقيقة ، باعتبار مقام البابور ووقوفه في بعض المدن التي بينهما لنزول بعض الناس فيها وحمل آخرين منها على العادة ، وهذه المدينة يحيط بها الجبال من بعض الجهات وهي معمورة أي الجبال ، ومع ذلك تصعد الكراريس إلى أعلا جبالها في طرق بها / ارتفاع يسير ينطوي في طول هذه الطرق ارتفاع تلك الجبال ، وتكون الخيل التي تجر الكراريس في هذه الطرق المرتفعة تسيرا سيرا مهلا.
__________________
(١) إشارة ضمنية من الجعيدي إلى أن التطور الأوربي وخاصة في الميدان العسكري وليد التربية والتعليم المكثف والمستمر ، وثمرة مدارسهم المتعددة لتكوين أبنائهم تكوينا ثقافيا وعلميا منذ الصبا.
(٢) ١١ عشت سنة ١٨٧٦ م.