الدخول إلى دار المهندسين والفلكيين
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين (١) منه أي رجب ، توجهنا لدار العلماء المهندسين والفلكيين. فصعدنا إلى قبة بها فتلقانا كبيرها بالتعظيم والترحيب ووجدنا في جدرانها خزانات من الزاج فيها إسطرلابات (٢) عديدة ذات أشكال مختلفة ومتفاوتة في الكبر والصغر ، ورأيت فيها إسطرلابين من عمل المسلمين (٣) ، أحدهما لعرض ست وثلاثين ونيف ، والآخر لعرض ثمانية وثلاثين ونيف ، فذكر أنهما صنعا قبل تاريخه بأزيد من خمسمائة عام ، فتناولت أحدهما من يد (٤) ووضعت حرف المضادة على أول درجة من الحمل ، فوافقت اليوم الخامس عشر من مارس ، فقلت له هذا الإسطرلاب صنع قبل بأزيد من ستمائة سنة عجمية ، وأشرت له بأن أول الحمل كان إذ ذاك في خامس عشر من مارس ، وأما اليوم ففي السادس منه تقريبا ، فسلم ذلك ، وهناك آلات أخر من نحاس ، ومرءاة لعلها للرصد ، ودخلنا إلى قبة وجدنا فيها دوائر لعلها من حديد بعضها داخل بعض ، وعددها إحدى عشرة دائرة وهي مختلفة الوضع ، منها ما هو من المشرق إلى المغرب ، ومنها ما بالعكس ومنها ما هو بين ذلك ، وفي وسطها كرة مركزها خارج عن مركز /٢٩١/ الدائرة الثامنة ، وهم يحكون بذلك
__________________
(١) ١٦ غشت سنة ١٨٧٦ م.
(٢) أنواعه كثيرة منها الهلالي والكروي والصدفي والمبطح والمسطح ... وغير ذلك. (موسوعة عربية عالمية).
(٣) الجدير بالذكر أن علم الإسطرلاب لم يتقدم إلا على يد العلماء المسلمين ، حيث وصلت هذه الآلة درجة عالية من الفائدة والتعقيد في الاستعمال بعد ما كانت بسيطة وبدائية عند اليونانيين ، وهناك المئات من الإسطرلابات مبعثرة بالمتاحف العالمية في أنجلترا وباريس وإيطاليا وأمريكا وغيرهم. (حالة العلوم عند المسلمين ، دمشق ، ١٩٧٢ : ١٣٥).
(٤) الجعيدي كان من كبار أساتذة علم الفلك (انظر ترجمته) ، خاصة أن بعض المغاربة ابتكروا أكثر من آلة فلكية جديدة ، مثلا عبد السلام العلمي. (انظر المنوني ، مظاهر يقظة المغرب ، ج ١ : ١٥٧).