التوجه إلى رومة
وفي ليلة الخميس السادس والعشرين من رجب (١) ، سافر بنا بابور البر من فريسني قاصدين رومة بحول الله وقوته ، وخرج لوداع الباشدور عامل البلد والجلنار كبير العسكر بها ، وتوجه معنا ترجمان الدولة السابق ذكره ، وصحب معه أنواعا من الحلواء وفواكه الوقت والماء المدفون في الثلج ، وكان سفرنا في العربة التي تقدم وصفها ولم يكن بها إلا الباشدور والأمين وكاتبه ، ولم يكن معنا اليهودي الذي طلع ترجمانا مع الهدية من طنجة إلى هذا الجنس المحب ، فحيث كان يقف البابور في بعض المواضع كنت لم أجد من يخبرني عنها ، وقوي عزمي على تقييدها عند رجوعنا بحول الله ، وإن رجعنا على هذا الطريق ، ثم نادتني النفس الأمارة ، وقالت قد ظهر عليك من التكاسل كم من أمارة ، فخذ حظك من النوم فقد ظللت متعوبا في هذا اليوم ، فقلت كيف يمكنني النعاس مع هذا الارتعاش الذي ليس للنفس معه راحة وانتعاش ، فقالت اقرن بين شيليتين فاتكئ على إحداهما وارسل على الأخرى الرجلين فملت إلى ذلك ، لكن كان فيه شبه محظور بسبب القرب من الباشدور ، فقلت له يا سيدي لو قربت هذه الشيلية لسيادتك من أختها ومددت رجليك عليها لأصابك من الاستراحة شيء يسير ، فإن المدة طويلة والبابور جاد في المسير ، ثم قرنت له ما بينهما واضطجع عليهما ، وكأنه استحسن هذه الحالة على الأخرى ، وهي كذلك بل من باب أولى وأحرى ، وقال : قد فطنت إلى الدسيسة التي قصدتها وعلمت النتيجة التي ركبتها ورصدتها ، فقلت : وكيف يا بحر الدرر والنفائس الذي لا تخفى عليه المقاصد والدسائس ، فقال : إنك أتحفتني بهذه التحفة ولكن لأمر ما جزع قصير أنفه ، لأنك أردت النوم على هذه الهيئة فمنعك الأدب ، فاصنع لنفسك مثلها يا شريف النسب ، فمنت كذلك طول ليلتي ، وحمدت نتيجة حيلتي ، فاستيقظت في وقت الغلس ، فوجدت الباشدور قد / قام وجلس ، فحييت سيادته على العادة ، وقال : كيف ليلتك ، قلت : دون غطاء ووسادة ، ثم سرحنا
__________________
(١) ١٧ غشت سنة ١٨٧٦ م.