الأبصار عن اليمين واليسار ، فوجدنا بساتين وأنهارا وأجنة (١) وأشجارا ، وبعدنا عن الجبال وحافاتها ، وسلمنا المولى سبحانه من آفاتها ، ثم أشرفنا على مدينة رومة الكبرى التي شاعت ذكرا وخبرا ، فبان طرف من سورها القديم وبه قسي عالية مما بني في تلك الأيام الخالية ، وقد أبلاه مرور الأعوام والشهور وأبقت عليه توالي الدهور ، ولم يبق له إلا السقوط والسجود ، للملك الحق المعبود ، وكان دخولنا إليها في الساعة السادسة ونصف من صباح يوم الخميس المذكور ، وتلقى كبراء البلد للباشدور بالترحيب والتعظيم والتبجيل والتكريم ، وأنزلتنا الدولة في أوطيل ذي منافع ومرافق وقبب وقصور ذات فراش وستور ، وما قصروا في بسط موائد الطعام وتوالي الفواكه والأنعام.
الملاقات مع وزير الأمور البرانية وكبير الوزراء
وفي يوم السبت الثامن والعشرين من رجب (٢) ، خرج الباشدور ونحن معه إلى ملاقاة وزير الأمور البرانية (٣) بداره ، فتلقانا بالتعظيم والترحيب ، وهيأ إكراما كبيرا من الطعام على مائدة عظيمة من أنواع الحلواء والفواكه والحليب حتى الأتاي ، فشكر الباشدور صنعه مع ما صدر من الدولة من مثل ذلك ، فقال إنهم مامورون من قبل
__________________
(١) في الأصل أنهار وأشجار وذلك خطأ اركبه سجعا.
(٢) ١٩ غشت سنة ١٨٧٦ م.
(٣) Melegari Luigi Amedo وزير خارجية إيطاليا ، وطني اختار مرسيليا منفى له بعد أحداث ١٨٣١ م ، ثم اشتغل بالتدريس في جامعة لوزان بسويسرا ، وعند عودته إلى إيطاليا عمل كأستاذ القانون بجامعة طورينو ما بين ١٨٤٨ م إلى ١٨٦٠ م ، ثم انتخب برلمانيا في مجلس الشيوخ ، وكلف بمهمات وزارية ودبلوماسية.
Dic, D\'histoire Universelle, Michel Mourre, Bordas, T 1: 1664.
بعد هذا اللقاء قدم الجعيدي هبة قدرها ٣٠٠٠ ليرة إيطالية ذهبية لفقراء روما ، فوجه له الوزير ميليكاري وعمدة روما رسائل شكر (انظر نصهما بالإتحاف ، ج ٢).