زيارة سجن مدينة طورين
ثم خرجنا من تلك العرصة وذهب بنا إلى سجن (١) هذه البلدة ، فدخلنا إليه فوجدناه مستديرا كالبرج ، وقد أحدقت به بيوت صغيرة بعضها فوق بعض ، ولعلها خمس طبقات ولكل طبقة سراجم ودرابيز من قضبان الحديد ، والضوء منتشر في جميعه حتى قيل لهم من ضاقت عليه المعيشة منهم يرتكب جريمة فيدخل لهذا السجن فلعله يجده أفضل من محله ، فانبسطوا لذلك ثم سرحت بصري في قطر دائرة هذا السجن ، إذ فيه طرق متقابلة هي أقطار دائرته ، وظننت أن قطرها يكون نحو ثلاثمائة متر ، ولم أكتف بهذا فسألت الترجمان فاستفهم عنه كبير السجن ، فقال إما يزيد على ثلاثمائة متر أو ينقص. وهناك أناس يخدمون منهم النجارة يستخدمونهم بعض الناس ، والسجان (٢) يقبض لهم أجرتهم ولا يدفع لهم إلا ما يتوقفون عليه من النزر القليل. وعند خروجهم يتحاسبون معه ، ويدفع لهم ما يجتمع عنده ، ومنهم أناس يغزلون الخيط كأن القيطان في نواعير على هيئة الشراطة فسئل أحدهم عن سبب سجنه ، فقال إن رجلا سرق سرقة وأخفاها عنده ، فسجن لأجل ذلك وحكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام ، وقد مر منها عام ونصف ، ومنهم أناس يصنعون صنيدقات من الكاغد للوقيد ، قيل يخرج كل يوم من هذا السجن سبعون ألفا من تلك
__________________
(١) تعرضت السفارة المغربية لسرقة داخل القطار ، لكن السلطات الإيطالية استطاعت إلقاء القبض على اللصوص كما سيأتي ذلك بتفصيل. في هذا الإطار تدخل زيارتهم لسجن طورين الجديدLe corceri nuove بدعوة من عامل المدينة ليؤكد لهم حقيقة إلقائهم القبض على المجرمين بعد أن تشكك الزبيدي في أن القبض على المجرمين ما هو إلا تغطية حكومية للموضوع.
(La Lombardia, Torino) ، بتاريخ ٣١ / ٨ / ١٨٧٦ م. جريدة.
(٢) طبق نظام السجون الحديث أسلوب العمل الإجباري نظرا لحاجة النهضة الصناعية لأيدي عاملة ، وذلك بإجبار المحكوم عليهم على القيام بأعمال يدوية متنوعة مقابل أجور خاصة ، قسم يحصل عليه مباشرة ، وقسم يذخر له طول المدة المحكوم بها عليه ليستطيع مواجهة متطلبات المعيشة داخل المجتمع الجديد. (مؤسسة السجون ، أحمد مفتاح البقالي ، الرباط ، ١٩٧٩ : ٦٢).