بذلك أن المعارف النفسانية إما مصدرها الوحي الذي يلقى في صنف خاص من البشر وهم الأنبياء والرسل ، وإما مصدرها الرياضة والاكتساب لا الوحي.
ومن أهم الزيارات التي يذكرها زيارته دار المطبعة الوطنية بباريس وشرحه كيفية الطبع والتسفير وغير ذلك ، في الوقت الذي لم يعرف المغرب إلا المطبعة الحجرية (١) التي أدخلها إلى المغرب قاضي تارودانت من مصر سنة ١٨٦٦ م ، فكان المغرب يتطلع لهذا الاختراع العلمي. ثم زيارتهم للمكتبة الوطنية الضخمة بباريس. فتحدث عن كيفية توزيع الكتب على رواد المكتبة ، وأشار إلى وجود بعض المخطوطات العربية معروضة هناك. فطلب منهم أن يدفعوا له تقييدا بما عندهم من كتب العربية فوعدوا به ، ولم يكن وفاء بهذا الوعد. كما تعرف بروما على دار المرضى أو المستشفى الخاص بالعميان تشرف عليه الرهيبات ، خاصة أن السفارة المغربية كانت تقدم الهبات المالية إلى الكثير من دور الإحسان والأيتام والعجزة والمستشفيات الفقيرة في كل مدينة نزلت بها ، وتتلقى عن ذلك العديد من (٢) رسائل الشكر والتقدير ، وتترك انطباعات حسنة لدى حكومات وشعوب هذه الدول.
نقل الجعيدي الكثير عن هذا الجانب وحاول (٣) رصد هذه الحركية القوية التي تهدف التجديد والتغيير والبناء والتطور في جميع مظاهره ، رغم قصر مدة إقامتهم بأوربا ، لم يتعرض لمساوئهم ولا لجوانبهم السلبية التي تتمثل في استخدام قوة التطور والاختراع والمال لإخضاع الشعوب الضعيفة المتخلفة وقهرها واستعبادها.
__________________
(١) مظاهر يقظة المغرب الحديث ، محمد المنوني ، ج ١ : ٢٠١ ، الرباط ، ١٩٧٣.
(٢) «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٢٧٩.
(٣) رغم توسعه في وصف مدنهم ، وجه دعوة مباشرة لزيارتها لمن له القدرة على ذلك حتى يتعرف على حضارتهم مباشرة «... فليس من سمع كمن رأى ... بهذا نبأتك ولكن لست بخبير ، فإن كنت من الأعيان ، فانهض إليها فليس الخبر كالعيان وإن كنت من العاجزين فاقنع بما أتيتك وكن من الشاكرين ...».