للفراغ يقينا ، وأمّا العمل بفتوى غير الأعلم فيشك معه في الفراغ ، وحيث انه يجب عليه تحصيل الفراغ فلا مناص إلّا من العمل بفتوى الأعلم ، وهذا التقريب إن لم يرجع إلى التقريب الأوّل فهو تقرير لقاعدة الاشتغال ، ومن المعلوم انه مع التقريب الأول الذي أوضحناه لا تصل النوبة إليه لتقدّم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي حكومة أو ورودا مطابقا أو مخالفا.
ثم ان الظاهر ان ما ذكرنا من كون الأصل في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج هو أصالة التعيينيّة ولزوم الأخذ بما يحتمل تعيينه (وهو فتوى الأعلم فيما نحن فيه) وانه يفترق عن باب دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الأحكام لجريان أصالة التخيير في الثاني دون الأوّل أمر لا ترديد فيه ولا غبار عليه ، ولكنّه يظهر من كلام الإمام في رسالته في الاجتهاد والتقليد التردّد فيه ، بل اختياره التساوي بين البابين في جريان أصالة التخيير فيهما حيث قال ـ بعد مناقشته في (١) الأدلة التي اقيمت على وجوب تقليد الأعلم ـ : «فالإنصاف انه لا دليل على ترجيح قول الأعلم إلّا الأصل بعد ثبوت كون الاحتياط مرغوبا عنه وثبوت حجية قول الفقهاء في الجملة ، كما ان الأمر كذلك ، وفي الأصل أيضا إشكال ، لأنّ فتوى غير الأعلم إذا طابق الأعلم من الأموات أو في المثالين المتقدّمين (إذا طابق فتوى غير الأعلم الأعلم من الأحياء إذا لم يجز تقليدهم لجهة أو إذا طابق فتوى غير الأعلم الاحتياط) يصير المقام من دوران الأمر بين التخيير والتعيين لا تعين الأعلم والأصل فيه التخيير». (٢)
__________________
(١) وسيجيء ما في مناقشته «قده».
(٢) رسالة الاجتهاد والتقليد للإمام الخميني «قدس الله نفسه» ص ١٤٧.