محل لهذه الهاء من الإعراب ، وتسمى هاء السكت والوقف ، والمعنى سر على طريقة الأنبياء في الإيمان بالله وتوحيده والإخلاص له (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) كل من يطلب من الناس أجرا على عمل فهو يعبد الله على حرف (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) وليست الذكرى للتجارة والمساومة ، بل لمجرد الإرشاد والهداية.
٩١ ـ (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) كل من جعل مع الله إلها آخر أو أنكر كتابا من كتبه أو رسولا من رسله ـ فهو جاهل بالله وعظمته ، فكيف بمن جحده من الأساس أو آمن به وأنكر أن يكون له رسول أو كتاب ، وإلى هؤلاء أشار سبحانه بقوله : (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) جحدوا كل كتاب سماوي لا لشيء إلا عنادا للقرآن تماما كمن يقول : فلان خسيس وشحيح لأنه ما أفاض علي من ماله (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى ...) قال الشيخ الطبرسي : «إن اليهود هم الذين أنكروا نزول الكتب من السماء على وجه العموم لا لشيء إلا «مبالغة في إنكار نزول القرآن فألزموا بما لا بد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى» وهذا التفسير هو الأقرب والأصح لأن اليهود يعتقدون أن النبوة هبة من الله لهم وحدهم ووقفا عليهم من دون العالمين ... حتى خالق الخلق مختص بهم ومتجنس بهويتهم وحميم يدافع عنهم ويعمل لمنفعتهم دون الخلائق أجمع. اقرأ التوراة سفر التثنية الإصحاح الرابع والعاشر وغيره ، وأيضا اقرأ للفيلسوف اليهودي اسبنوزا كتاب رسالة في اللاهوت الفصل الثالث رسالة العبرانيين.
٩٢ ـ (وَهذا كِتابٌ) القرآن (أَنْزَلْناهُ) على محمد (مُبارَكٌ) صفة للقرآن ، أما بركات محمد والقرآن فقد عمت الشرق والغرب ، وتحدث عنها القاصي والداني (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعترف بأنبياء الله ورسله بلا استثناء حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) وهي مكة المكرمة ، وخصها سبحانه بالذكر حيث منها انطلقت دعوة القرآن (وَمَنْ حَوْلَها) وانتقلت هذه الدعوة من مكة إلى جوارها ، ومن الجوار إلى الأقرب فالأقرب (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) وضمير «به» للقرآن ، وهو بشير ونذير للعالمين المطيع منهم والعاصي ، أما الأول فيبشره النبي بالثواب إن استمر على الطاعة ، وينذره بالعقاب إن انحرف وخالف ، وأما الثاني فينذره بالعقاب إن استمر على المعصية ، ويبشره بالثواب إن تاب وأناب.
٩٣ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) كل من قال : هذا حرام الله ، وهذا حلال الله من عندياته فهو كذاب ومفتر على الله حتى ولو أصاب الواقع ، ومن قال مثل ذلك مستندا إلى كتاب الله وسنة رسوله ، ومراعيا للأصول والقوانين فهو مأجور حتى ولو أخطأ الواقع (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ ...) ولا شيء أيسر وأهون من إطلاق اللسان حتى في ادعاء الربوبية ، ولكن أسواءه وأدواءه تعود على صاحبه (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ ...)