١٣٨ ـ (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) الحجر الحرام ، أي أن المشركين كانوا يقتطعون قسما من زرعهم وثمارهم وماشيتهم ، ويحرمون التصرف فيه إلا على من يختارون (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) يحرمون ركوبها والحمل عليها ، وتقدم ذكرها في الآية ١٠٣ من المائدة (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) في الذبح بل اسم الأصنام ، وتقدم في الآية ١٢١ من هذه السورة وهذه الآيات إخبار عن الأمم الماضية والقرون الخالية ، وما هي بأقل افتراء على الله من الأمم الحاضرة ، وإن اختلف الشكل والأسلوب ، وربما كان الخلف أكثر ضلالا ، وأسوأ حالا.
١٣٩ ـ (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) كانوا يقولون ما يولد حيا من بطون بعض الحيوانات يأكل منه الذكور فقط (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي الإناث (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) وإن سقط الجنين من بطن الحيوان ميتا أكل منه الذكور والإناث على السواء (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) سيعاقبهم سبحانه على هذا الافتراء تحليلا وتحريما.
١٤٠ ـ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) وأي شيء أكثر سفاهة وخسارة من إقدام الوالد على ذبح ولده أو دفنه حيا ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على حياة البؤس والإملاق كما نطقت الآية الآتية ١٥١ : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وبهذا نجد تفسير قول الرسول الأعظم : «كاد الفقر يكون كفرا» (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) من الطيبات كما أحلوا بعض المحرمات كأكل الميتة (افْتِراءً عَلَى اللهِ) لأن التحريم منهم ، وليس منه تعالى ، وقد كذب الناس وما زالوا يكذبون على الله وملائكته ورسله ، وعلى بعضهم البعض ، وعلى أنفسهم (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) ولن يهتدوا إلّا قليلا.
١٤١ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) بعد ، أن أشار سبحانه إلى تحريم ما أحل ذكر طرفا من نعمه على العباد ومنها حدائق وبساتين من الكروم مرفوعة فروعها على دعائم (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) متروكة على الطبيعة ممتدة على الأرض (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) عطف على جنات (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) فالحبوب أصناف ، والفواكه أشكال ، والبقول ألوان شكلا وطعما (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فالرمان والليمون يشبه بعضه بعضا ، ولكن بعضه حلو ، وبعضه حامض (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) تصدقوا منه عند نضجه على أهل الفقر والمسكنة (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) سواء أكان الإسراف في الإنفاق على النفس أم في البذل والصدقة على المعوزين.
____________________________________
الإعراب : (افْتِراءً) مفعول لأجله ليذكرون. (ما فِي بُطُونِ ما) في محل رفع بالابتداء ، / و (خالِصَةٌ) خبر ، وأنت لفظ خالصة على معنى الانعام ، وذكر لفظ محرم حملا على لفظ (ما). واسم يكن ضمير مستتر يعود إلى ما في بطون. وافتراء مفعول لأجله لحرموا.