«يلمزون» للمنافقين ، وحديث القرآن عنهم تماما كحديثه عن اليهود ، بلغ الغاية والنهاية ، والسر أن جرائم الفريقين لها أول بلا آخر (فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) إذا تصدق المؤمن المقل بمبلغ طاقته ، سخروا منه وقالوا : إنه يذكّر بنفسه (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) أي يعذبهم عذاب الساخرين ، فهو من باب تسمية العقوبة على الذنب باسم الذنب.
٨٠ ـ (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ...) جاء في صحيحي مسلم والبخاري أنه لما مات المنافق عبد الله بن أبي طلب ابنه أن يصلي عليه النبي فصلى ، ولما قيل له في ذلك قال : إن الله خيرني فاخترت. النبي (ص) اختار ، والله أعلمه بأنه لا يغفر لا بن أبي ، وكلمة سبعين في الآية كناية عن الكثرة ، وقال طه حسين في كتاب مرآة الإسلام : «بعد أن أحصى الله من سوء أعمال المنافقين وفضح من ذات نفوسهم أظهر من غضبه شيئا عظيما فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ...
٨١ ـ (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ) ذهب النبي (ص) والمؤمنون إلى تبوك ، وقعد المنافقون عن الغزو مع القواعد ، فابتهجوا بمقعدهم هذا أي ابتهاج (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) أي بعده (وَكَرِهُوا ...) الجهاد بالنفس والمال ، وكل من كره الجهاد في سبيل الله فهو منافق أو في حكمه (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) ومن فر من الحر فهو من السيف أفر (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) أعدت للمنافقين والمجرمين.
٨٢ ـ (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) في الدنيا الفانية (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) في الآخرة الباقية.
٨٣ ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) ردك (إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) وإنما قال إلى طائفة منهم ولم يقل إليهم ، لأن بعض الذين تخلفوا ندموا وتابوا إلى الله توبة نصوحا (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) أي إذا طلب منك يا محمد الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بلا عذر (فَقُلْ) لهم : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) هذه المقاطعة من أشد العقوبات وقعا على النفوس (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي في غزوة تبوك (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) النساء والصبيان والعجزة. وبهذا ألزمهم سبحانه بما ألزموا به أنفسهم.
٨٤ ـ (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ
____________________________________
الإعراب : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) مبتدأ وخبره سخر الله منهم ، وفي الصدقات متعلق بيلمزون. وسبعين قائم مقام المفعول المطلق ، لأن المعنى سبعين استغفارا. (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) ان كان بمعنى بعد فهو ظرف منصوب والعامل فيه مقعدهم ، وان كان مصدرا بمعنى المخالفة فهو مفعول لأجله لفرح و (حَرًّا) تمييز. واللام في ليضحكوا لام الأمر وعملها الجزم. ومثلها اللام في ليبكوا. و (قَلِيلاً) صفة لمفعول مطلق محذوف أي ضحكا قليلا. ومثله كثيرا أي بكاء كثيرا. وجزاء مفعول لأجله ليبكوا. وأبدا منصوب على الظرفية ، ومعناه الاستقبال. وأول مرة قائم مقام الظرف ، أي في أول مرة.