وَالْمُؤْمِنُونَ)من يعمل الخير فهو مرضي عند الله والرسول والطيبين ، ومن يعمل الشر فهو مكروه عند الجميع ، وفي الأشعار : «لا يذهب العرف بين الله والناس» (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ...) واضح ، وتقدم قبل قليل في الآية ٩٤ من هذه السورة.
١٠٦ ـ (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) مؤجلون (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) إن أصروا على الذنب (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) إن تابوا.
١٠٧ ـ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) عرضت الآيات السابقة الصراع بين قوى الشر والنفاق من جهة وقوى الخير والإيمان من جهة ثانية ، أما هذه الآية فإنها تعرض الأسلوب ونوع المؤامرات التي يدبرها ويحيكها المنافقون بدقة ضد المؤمنين المجاهدين ، وأنهم يرفعون نفس الشعارات ونفس العلم الذي ترفعه قوى الحق وأنصار الحق لتغطية المقاصد العدوانية والأهداف المضادة ، وهي تفريق كلمة المسلمين والإضرار بهم ، وجعل المسجد مكانا للكفر ومعقلا لحرب الله ورسوله ، ويسمى هؤلاء في العصر الراهن بأنصار الثورة المضادة. وخلاصة الحكاية التي أشارت إليها آية مسجد ضرار أن منافقي المدينة بنوا مسجدا تحت ستار الاجتماع للعبادة ، أما القصد الخفي منه فهو الهدم والتخريب وتحطيم قوى الإسلام والمسلمين ، فأخبر سبحانه نبيه بهذا القصد والعزم ، فأمر صلىاللهعليهوآله بهدم المسجد ، وأن يتخذ مكانا لإلقاء الجيف والقمامة ، وفي عالم اليوم العشرات من مساجد الضرر والضرار ، ولكن باسم معهد الدراسات أو نادي الثقافة والرياضة أو الجمعية الدينية أو المكتبة العامة أو في شكل كتاب أو صحيفة أو محاضرة ، وما إلى ذلك مما يهدف إلى محق الدين والوطن والقيم الإنسانية. (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) يسيء المنافق ويحلف ، لأنه يشعر من الأعماق أنه مفتر كذاب ، فيستتر بكثرة الإيمان ، ومن هنا قال سبحانه : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) ـ ١٠ القلم».
١٠٨ ـ (لا تَقُمْ) يا محمد (فِيهِ أَبَداً) في مسجد ضرار لا للصلاة ولا لغيرها (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) البناء القوي المتين مسجدا كان أو غير مسجد هو أن يوضع فيه الحجر الأول ، حجر الأساس ، على تقوى الله ، وعليها تقوم دعائمه ، ولا عفاء لهذا البناء مهما طال الأمد (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) وأحق هنا بمعنى حقيق وجدير ، وليست للتفضيل بين مسجد التقوى ومسجد ضرار ، فقد روي أن النبي (ص) كان لا يمر بطريق هذا المسجد (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) إن مسجد التقوى يؤمه المتقون للعبادة والعمل الصالح لا للنفاق والتآمر ١٠٩ ـ (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ) إن الذي أقام عمله وبنيانه بالكامل على الخطة والخريطة التي رسمها الله سبحانه لعباده ورضي عنها هو (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) والشفا : حرف الشيء وطرفه ، والجرف : جانب الوادي ، وهار