ومن أساء (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) الزموا مكانكم (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) وانظروا : هل يملكون لكم أو لأنفسهم نفعا ، أو يدرءون عنكم أو عنهم ضرا (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي أنه تعالى يميز يوم الحساب بين الخلائق ، ويظهر كل واحد على حقيقته ، وعندئذ يتبين للمشرك أن الأمر كله لله وحده لا شريك له. (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) بل كنتم تعبدون الشيطان الذي أمركم أن تتخذوا لله أندادا.
٣٠ ـ (هُنالِكَ تَبْلُوا) تجد (كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
٣١ ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) ... (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) وإذا اعترف المشركون بهذه الصراحة أن الله هو الخالق والمالك ، والمحيي والمميت والمدبر والمقتدر ، فإذن علام النزاع والصراع بينهم وبين أنبياء الله ورسله؟ الجواب : أن الذين صدوا عن دين الله وحاربوا الرسل والأنبياء هم قادة الشرك وجبابرة الترف ، وليس المستضعفون الذين لا عم بهم ولا خال ، وما من شك أن المترفين الأقوياء يعترفون بكل إله يخصهم وحدهم بالقوة والسطوة ، ويختار لغيرهم البؤس والرق ، وجاء هذا جليا وصريحا في العديد من أقوالهم ، من ذلك ما جاء في الآية ٤٧ من يس : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ). ويأبى دين الله إلا الكف عن الفواحش والجرائم وعن الأذى وأكل المال بالباطل وإلا العدل والمساواة بين عباد الله وعياله في جميع الحقوق والواجبات ومن هنا جاء العراك والشقاق بين المرسلين والمترفين أي بين الحق والباطل.
٣٢ ـ (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) أبدا لا واسطة إما عدل ومساواة ، وإما ظلم وتعديات.
٣٣ ـ (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وهي كلمة العذاب (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) وفي طليعتهم من لا يكف أذاه عن عيال الله ، ويرى لنفسه امتيازا على سواه (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي حقت عليهم كلمة العذاب لأنهم لا يتوبون ولا يهتدون.
٣٤ ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) الخلق بالنسبة إليه تعالى يعني إيجاد شيء من لا شيء ، وبالنسبة إلى غيره يعني إيجاد شيء من شيء كالدار من الأحجار ،
____________________________________
الإعراب : (مَكانَكُمْ) في محل نصب قام مقام فعل الامر أي الزموا. و (أَنْتُمْ) توكيد للضمير في الزموا. (فَكَفى بِاللهِ) الباء زائدة ، والله فاعل ، وشهيدا حال ، ويجوز أن يكون تمييزا على معنى من شهيد. و (إِنْ كُنَّا) وان مخففة من الثقيلة ، واسمها نا محذوف وجملة كنا خبر ، واللام في لغافلين للفرق بين ان النافية والمخففة.