٥٨ ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) وهو الريح العقيم ، أهلكهم عن آخرهم (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) هي النجاة الأولى من الريح العقيم في الدنيا (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) في يوم القيامة.
٥٩ ـ (وَتِلْكَ عادٌ ...) أي تلك آثارهم وديارهم الخالية ، فاتعظوا بها أيها الجاحدون واعتبروا (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هذا درس قرآني إلهي للمستضعفين أن يقفوا صفا واحدا في وجه من يستبد ويشتط في غيه وبغيه ، ولو علم الظالم أن المظلوم يستميت دون حقه لكف عنه ، ومعنى هذا أن المظلوم مسؤول عن الدفاع عن نفسه بكل ما يملك من جهد.
٦٠ ـ (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي فعلوا ما يتوجبون به اللعن دنيا وآخرة من الله والناس علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
٦١ ـ (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ...) تقدم بالحرف الواحد في الآية ٧٣ من الأعراف ونظيره هود في الآية ٥٠ من هذه السورة ، والسر أن كل الأنبياء بعثوا بكلمة لا إله إلا الله (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) منها خلقنا ، وعليها نعيش أمدا ، ثم نعود إلى زنزانة قائمة واجمة (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) بمعنى العمران لا بمعنى الاستغلال والطغيان ، (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي اعبدوا الله وحده واشكروه على نعمه وافضاله (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) ممن أخلص له في العمل (مُجِيبٌ) لمن استجاب لأمره.
٦٢ ـ (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) كنا نثق بك ونظن فيك كل خير ، فما ذا جرى لك وحل بك؟ تماما كما قالت قريش في محمد (ص) التي عرفته صادقا وأمينا طفلا وشابا وكهلا (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) العدوى النفسية غريزة في الحيوان والإنسان ... فما أن يصيح ديك واحد حتى يتصايح العديد من الديكة ، وفي الأشعار «تثاءب زيد إذ تثاءب خالد» ويكثر انتشار التقليد بين الناس في الآراء والمعتقدات ، وبخاصة للآباء والأجداد ، وبصورة أخص في الدين سواء أكانوا يعبدون الرّحمن أم الأصنام ، والفرق أن التقليد الأول سليم ، لأنه على وفق العلم والحق تماما كتقليد المريض للطبيب الناصح الماهر ، أما التقليد الثاني فجهالة وضلالة ، وإلى هذا أشارت الآية ١٧٠ من البقرة : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) ومعنى هذا أن الذين يعقلون ويهتدون يسوغ تقليدهم ومن المعلوم بالنص والبديهة أن مهمة الأنبياء والمصلحين هي الإرشاد إلى الحق وهداية الذين لا يقدرون على المعرفة والتمييز بين من يهدي إلى سواء السبيل ، ومن ضل عنه وأضل. قال عز من قائل : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ـ ٣٥ يونس».
٦٣ ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) على يقين من أنه أرسلني إليكم (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) وهي النبوة (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ