٣٨ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) ترد هذه الآية على من أنكر نبوة محمد (ص) لأنه بشر يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، ويأتي الزوجات ، ويولد له ، ووجه الرد : ثم ما ذا؟ إن محمدا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وكلهم كانوا يفعلون كفعله تماما كسائر الناس (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) اقترحوا على محمد (ص) معجزات من وحي الهوى والشيطان ، فقال لهم : ما أنا وذا؟ الأمر كله بيد الله (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) مدة مضروبة بعلم الله ، لا تتقدم ولا تتأخر.
٣٩ ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) المراد بأم الكتاب علمه تعالى ، وللمفسرين في المحو والإثبات ثمانية أقوال. وفي رأينا أن ظاهر المحو والإثبات في هذه الآية ، يعم ويشمل من كان على ضلال في دينه ثم اهتدى ، أو بالعكس ، وهذا محو لأن كلا من الكفر والإسلام يجب ما قبله ، أما البقاء على الكفر أو الإيمان حتى الممات فهو إثبات ومثله أو قريب منه ظاهر الآية ٩٨ من الأنعام : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) وأيضا يشمل المحو نسخ بعض الآيات أو الأحكام والإثبات بقاءها إلى يوم يبعثون ، وتقدم الحديث عن النسخ في تفسير الآية ١٠٦ من البقرة.
٤٠ ـ (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) أي نريك يا محمد ما يحل باعدائك من الخزي والفشل والهوان وأنت حي (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك.
٤١ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) وفي الجزء الأول من أصول الكافي عن أهل البيت (ع) ، أن المراد بنقص الأرض من أطرافها ذهاب العلماء وموتهم ، ونحن نفهم من كلمة «العلماء» بلا قيد وإضافة في أحاديث أهل البيت ـ الأئمة المعصومين دون غيرهم.
(وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) متى حكم سبحانه حكما فلا يتعقبه أحد برد أو تغيير أو تقليم أو تطعيم.
٤٢ ـ (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل قولك يا محمد ، مكروا برسلهم ، وفعلوا بهم الأفاعيل ، فمكر الله بهم ، وأذاقهم سوء العذاب (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي يبطل مكر كل ماكر ، ويعاقبه عقاب الماكرين ، وتقدم في الآية ٥٤ من آل عمران.
٤٣ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) لأنك تقف مع الضعفاء والمساكين ، وتثور على الظلم والظالمين ، أما الشواهد والدلائل على صدقك وأمانتك فهي لأحرار الصدق والحق لا لجبابرة البغي والفساد (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) الله يشهد لي بأني رسوله الصادق الأمين ، ويحكم بأنكم على غي وضلال ، وأيضا يشهد لي على مدى العصور والأيام كل مؤرخ منصف وكل عالم محايد بأني رسول الخير والانسانية ، وأنكم مثال الشر والجاهلية. والله سبحانه المسئول أن يثبتنا على دين محمد ، ويوفقنا للعمل بسنته ، عليه وعلى آله أفضل الصلوات.