١٠ ـ (أَفِي اللهِ شَكٌ) أي ينبغي أن لا يكون في وجود الله شك ، لأن سلطانه وبرهانه قائم في كل شيء حتى في الجاحدين والمشككين ، وفي يقيني أن ما من جاحد بالله على وجه الأرض ، يتحرر من كل طارئ يصده عن معرفة الحق ويستهدف الكشف عنه لوجه الحق ـ الا تحول جحوده هذا إلى الإيمان الراسخ ، ولكن أين هو هذا؟ ولما ذا لا يوجد إلا قليلا؟ لأن الإنسان بطبعه أناني ينجذب ويتصرف على. ساس المصلحة التي يحسها وينتفع بها في الحياة الدنيا ، أما بعد الموت فهو غيب في غيب! (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فكيف اختاركم الله لوحيه من دون الناس أجمعين؟ (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بمعجزة نقترحها نحن كما نهوى ونريد.
١١ ـ (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) هل ادعينا نحن بأننا آلهة أو نصف آلهة أو ملائكة حتى تقولوا إن أنتم إلا بشر؟ (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) إنه تعالى يختار من عباده البشر من هو كفء لوحيه ورسالته كما يختار أحدكم من هو أهل لوديعته وأمانته؟ (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) لقد أتيناكم بالمعجزات الكافية الوافية في الدلالة على صدقنا ، أما ما تقترحون علينا من الخوارق فهي في قبضة الله وحده ، وتقدم في الآية ٣٧ من الأنعام وغيرها.
١٢ ـ (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) كيف لا نتوكل عليه وقد أتم علينا نعمته الكبرى ، وهي التي أشاروا إليها بقولهم : (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) التي يجب أن نسلكها إلى طاعته ومرضاته (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) والصبر على الأذى في سبيل الله والحق من شيم الأحرار والصفوة الأخيار ، أما الذين ينهارون للصدمة الأولى فهم داء الحياة وأعداؤها (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) التوكل الأول في صدر الآية كان من أجل الشكر على الهداية ، أما التوكل الثاني في آخر الآية فهو للاستعانة بالله على وطأة الصبر وثقله.
١٣ ـ ١٤ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) في الآية ٨٢ من الأعراف : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) هذا هو ذنب الطاهر عند العاهر ، والمخلص عند الخائن.
(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ...) أوحى سبحانه إلى رسله : لا تفكروا إطلاقا بتهديد الطغاة ووعيدهم ، سنقضي عليهم ، ونورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم وفي الحديث من آذى جاره ورثه الله داره.
___________________________________
الإعراب : (أَفِي اللهِ شَكٌ) مبتدأ وخبر ، والاستفهام للإنكار ، وفاطر صفة لله. والمصدر المنسبك من (أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ) اسم كان ، ولنا خبرها. و (ما لَنا) ما استفهام في موضع رفع بالابتداء ، ولنا خبر ، والمصدر من ألا نتوكل مجرور بفي محذوفة. وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا أي غير متوكلين.