٤٣ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) قال المعاندون لمحمد : أنت بشر ، والله فوق البشر باعترافك ، ومن كان فوق الناس لا يختار رسولا منهم ، فإذن ما أنت لله برسول! هذا هو منطق الشيطان وحزبه ، فأبطل سبحانه زعمهم بأن جميع أنبياء الله ورسله كانوا رجالا من أهل الأرض لا ملائكة من أهل السماء. هذا ، إلى أن رسالة محمد (ص) هي بذاتها تدل على أنها لسان الله وبيانه ، وهل من ذي لب عليم وسليم يجرأ على القول بأن القرآن ينطق عن محمد لا عن الله؟.
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال جماعة كثر من المفسرين : إن المراد بالسؤال هنا سؤال خاص ومعين بدلالة سياق الآية ، وهو هل أرسل الله إلى الأمم السابقة بشرا أو ملائكة؟ وعليه يتعين أن يكون المراد بأهل الذكر المسئولين هم علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وفي تفسير ابن كثير القرشي : «أن محمدا الباقر قال : نحن أهل الذكر. وعلماء أهل بيت رسول الله عليهمالسلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة».
٤٤ ـ (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) متعلق بأرسلنا : والبينات : الحجج والدلائل ، والزبر : الكتب (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (الذِّكْرَ) القرآن (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) هذي هي مهمة الأنبياء أن ينقلوا عن الله لعباده حرامه وحلاله وثوابه وعقابه ، لا أن يتنبأ كل نبي ويجتهد طبقا لمزاجه وخياله وإلا كان الأنبياء تماما كأبي حنيفة والمالكي والشافعي وغيرهم من أئمة المذاهب. وبهذا يتبين الخطأ في قول من قال من علماء السنة : يجوز للنبي أن يجتهد فيما لا نص فيه.
٤٥ ـ ٤٦ ـ (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) قال المفسرون : المراد بالماكرين هنا مشركو مكة ، لأنهم ألبوا على النبي (ص) وتآمروا على قتله (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) فتبتلعهم أحياء كما فعل سبحانه بقارون (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) في أسفارهم وحال اشتغالهم في أمورهم الخاصة والعامة ٤٧ ـ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أي وهم خائفون يترقبون أن يحل بهم العذاب (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) لا يعجل العقوبة لمن يستحقها ، بل يمهل ويفتح باب التوبة ، ويقول : من دخله كان آمنا ٤٨ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) قد يقال : وأي عجب أن يكون للشيء ظل وفيء ما دام هناك شمس وأرض تدور حولها؟ الجواب : ليس القصد من ذلك مجرد الإخبار بأن لكل جسم ظلا كي يكون تحصيلا للحاصل وكتفسير الماء بالماء ، وإنما القصد التنبيه إلى نظام الكون بأسره ، وأنه تعالى أتقن كل شيء من خلقه ووضعه في فلكه تماما كما يقال : الرجل المناسب في المكان المناسب ، وضرب مثلا لذلك بالظل ، وأنه لو لم تكن الشمس في فلكها والأرض في مكانها ما كان لكل جسم ظل ، وكذلك سائر المخلوقات ، كل في فلك يسبحون (سُجَّداً لِلَّهِ) أي كل الكائنات تخضع لتدبير الله ، وتنطق بكماله وجلاله وبالغ قدرته وحكمته (وَهُمْ داخِرُونَ) أي منقادون صاغرون ولمناسبة الإشارة إلى الفيء ننقل هذه الكلمات من دعاء للإمام زين العابدين وسيد