وفي الآية ١٨ و ١٩ من الاسراء : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها) ... (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) وأخيرا نكرر ونؤكد لا طبقات في الإسلام على أساس الجاه والمال والأنساب.
(فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) وهم الأغنياء (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) على مماليكهم وعبيدهم (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي لا يرضي الأغنياء بالمساواة بينهم وبين العبيد في الأموال ، والآية بجملتها رد على المشركين الذين جعلوا لله أندادا وأشباها من خلقه ، ووجه الرد أن هؤلاء لا يرضون بحال أن يشاركهم في أموالهم أحد من عبيدهم ، فكيف يرضي سبحانه بالمساواة بينه وبين عبيده في الالوهية والكمال والجلال؟ وهل شأن الله تعالى دون شأنكم أيها المشركون؟ وبكلمة هل لكم شركاء من عبيدكم فيما تملكون حتى نسبتم إلى الله شركاء من عبيده فيما خلق
٧٢ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) من جنسكم لا من جنس آخر ، كي يتم الإنس والمشاركة في الحياة الزوجية بين الزوجين ... هذا ما يجب أو ينبغي أن يكون ، أما ما هو كائن بالفعل فمطلب آخر ... ويستحيل أن تتآلف الأخلاق والأرواح إلا إذا تعارفت ، وتعاطفت كما في الحديث الشريف (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) أولا أولاد ، كان أكثرهم من قبل نعمة ، أما بعد «الخنافس والمنيجوب» فالكثير منهم نقمة. وفي سفينة البحار للقمي حديث طويل عن الذين يأتون في آخر الزمان ، جاء فيه : «فعند ذلك حلت العزوبة ، قالوا يا رسول الله أمرتنا بالتزويج ، قال : بلى ولكن إذا كان ذلك الزمان فهلاك الرجل على يد زوجته وولده ... يكلفونه ما لا يطيق حتى يوردوه موارد الهلكة». (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) مطعما ومشربا ، إضافة إلى الأزواج والأولاد وغير ذلك من المستلذات.
٧٣ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) تقدم في الآية ١٨ من يونس.
٧٤ ـ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) لا تجعلوا لله أمثالا وأشباها في الخلق والالوهية.
٧٥ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) هذا مثل للأصنام التي يصنعها الوثنيون بأيديهم ثم يعبدونها! أنها تماما كالعبد المملوك الذي لا يرجى خيره ، ولا يخشى شره ، بل أسوأ منه وأضعف (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) هذا مثل لحر غني قوي وكريم ، يتصرف في نفسة وماله كيف يشاء (هَلْ يَسْتَوُونَ) الحر القادر والعبد العاجز ، وإذا رفضت الفطرة والبديهة هذه المساواة ، فكيف صح في أفهام الوثنيين أن يساووا بين الخالق الرازق وبين وثنهم الذي تبول عليه القطط والكلاب؟. وكل دين أو فكر أو مبدأ إذا لم يتجاوب مع الحياة ومطالبها ، ولم يحررها من الفاقة والحاجة ، ويعبر بها إلى الحرية والكرامة فهو جهالة وضلالة.
٧٦ ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) هذا مثل آخر لعبادة الأصنام بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء ، وشبهها هنا بالأبكم والكل في قوله (أَحَدُهُما أَبْكَمُ) أخرس لا يفهم ولا يفهّم (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌ) ثقل وعيال (عَلى مَوْلاهُ) الذي يعيله (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) عجزا وقصورا لا تهاونا وتقصيرا (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ