(كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) أي تستسلمون للحق وتؤمنون بالله ، وقد يظن أن الله سبحانه دعا إلى الإيمان به عن طريق العقل فقط بالنظر إلى الكون وما خلق من شيء مع العلم بأنّا نقرأ في القرآن الكريم ـ إلى جانب الآيات العقلية الكونية ـ آيات من نوع آخر ، تحرك الإنسان وتؤثر به تأثيرا أبلغ وأعمق من تأثير العقل ومنطقه. وهي الآيات التي خاطبت العاطفة والمنفعة الشخصية الشرعية ، وما أكثرها في كتاب الله ، ومنها قوله تعالى : (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) وقوله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) إلى غير ذلك مما سبق ويأتي.
٨٣ ـ (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) المراد بمعرفتهم نعمة الله أنهم يتمتعون بها ، وبإنكارهم إياها أنهم لا يؤدون حقها من الشكر ويحمدون الواهب على جوده وعطائه.
٨٤ ـ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) هذا دليل آخر على أن لكل أمة نبيا أو إماما أو عالما بدين الله ، وانه يشهد عليها بما أجابت وفعلت حين أبلغها رسالة الله سبحانه وبشّر وأنذر (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بالرد والاعتذار بعد أن قامت الحجة عليهم بشهادة الرسول (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب من الطغاة والعصاة أن يسترضوا الله سبحانه بالتوبة والاستغفار حيث لا عمل واسترضاء في يوم القيامة ، بل حساب وجزاء.
٨٥ ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) الظالم المعتدي على حقوق الآخرين لا ظلم عليه يوم القيامة ، بل يأخذه الله بظلمه وكفى من غير زيادة ، وأيضا لا يرحمه ويلطف به بتخفيف العذاب ونقصانه ، ورحمته تعالى وإن اتسعت لكل شيء ، فإنها تضيق بالظالم لعباده وعياله ، وليس عندي في ذلك أدنى ريب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) بل يسرعون إلى جهنم ، فتستقبلهم بسعيرها وزفيرها ٨٦ ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) وهم الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ، وتدل هذه الآية أن معبود المشرك يحشر معه يوم القيامة حتى ولو كان حجرا تأكيدا للحجة عليه ، وعن الإمام الباقر (ع) : لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب (قالُوا) أي المشركون (رَبَّنا هؤُلاءِ) إشارة إلى الشركاء المعبودين : (شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) ليس هذا مجرد اعتراف بالخطإ بل وأنهم لا يسمعون ولا يعقلون كما في الآية ١٠ من الملك : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) أنطق سبحانه الآلهة المزعومة وقالت : أيها المشركون (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) ومفترون في جعلنا شركاء لله ٨٧ ـ (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) استسلم العابد الجاهل والمعبود الزائف لحكم الله وعذابه.
٨٨ ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) عذابا على كفرهم وضلالهم ، وعذابا على إفسادهم في الأرض وإضلالهم الناس عن الحقّ واتباعه. وتقدم في الآية ٢٥ من هذه السورة