٨٩ ـ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) تقدم في الآية ٨٤ من هذه السورة ، وأعاد الآن تهديدا للذين كذبوا محمدا (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) الخطاب لمحمد (ص) وهؤلاء إشارة إلى من حرف وزيف من أمته (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) في الجزء الأول من أصول الكافي أن الإمام الصادق (ع) قال : «ما خلق الله حلالا ولا حراما إلا وله حد ... حتى أرش الخدش» وأن الإمام الباقر (ع) قال لأصحابه : «إذا حدثتكم بشيء فاسألوني أين هو من كتاب الله ، ثم قال في بعض حديثه : نهى رسول الله (ص) عن القيل والقال ، وفساد المال ، وكثرة السؤال. فقيل له : أين هذا من كتاب الله؟ فقال : إن الله عزوجل قال : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) ـ ١١٤ النساء ... وقال : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) ـ ٥ النساء. وقال (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) ـ ١٠١ المائدة». والآية الأولى نهت عن القيل والقال ، والثانية عن فساد المال ، والثالثة عن كثرة السؤال.
٩٠ ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) أمر سبحانه في هذه الآية بثلاث خصال حميدة : العدل وهو الإنصاف ، والإحسان وهو التفضل لوجه البر والإحسان. وسئل الإمام علي «أيهما أفضل : العدل أو الجود؟ فقال : العدل يضع الأمور مواضعها ، والجود يخرجها من جهتها ـ أي يتجاوز بالأشياء إلى جهة الإحسان ـ العدل سائس عام (أي نظام عام لا تستقيم الحياة بدونه) والجود عارض خاص ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما» ، والخصلة الثالثة إيتاء ذي القربى ، وهو من مظاهر الإحسان ، ولكنه أعلاها ، ولذا خصه سبحانه بالذكر (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) ونهى سبحانه عن ثلاث خصال قبيحة : الفحشاء ، وأفحش الفحش الزنا لأنه في الآخرة بين يدي عذاب شديد ، وفي الدنيا عار على الزاني والزانية وعلى أولادها وأمها وأبيها ، والمنكر : كل ما ينكره العقل والشرع ، والبغي : العدوان على حق من حقوق الناس ، وهو أكبر الكبائر ، وتصدق عليه كلمة الفحشاء والمنكر والإثم. وأيضا الكفر ، قال سبحانه : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) ٩٩ الإسراء» وتجمع هذه الآية أمهات الفضائل قال عثمان بن مظعون : أسلمت استحياء من رسول الله ، وما قر الإسلام في قلبي حتى نزلت هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) ...» ٩١ ـ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) وكل من آمن بالله فقد أعطاه عهدا أن يأتمر بأمره ، وينتهي بنهيه ، ومن يعص الله في شيء فهو من الناكثين النابذين لعهد الله تعالى (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) الإيمان جمع يمين ، وتوكيدها : عقدها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) رقيبا ومتكفلا بالوفاء ٩٢ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) شبه سبحانه ناقض العهد والأيمان بالحمقاء التي تنقض الغزل بعد إبرامه (تَتَّخِذُونَ) أي أتتخذون (أَيْمانَكُمْ دَخَلاً) غدرا ومكرا (بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى) أكبر قوى (مِنْ أُمَّةٍ) كانت القبيلة في الجاهلية تحالف أخرى ، فإذا جاءتها قبيلة أقوى منها غدرت بها ، وجالفت الثانية ، فنهى سبحانه عن هذا وأنكره (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) ضمير به