سورة الأسراء مكية وهي مائة واحدى عشرة آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) محمد روحا وجسدا لظاهر الوحي ، ولا ينكره العقل (لَيْلاً) لمجرد التوضيح لا للاحتراز من الضدّ لأن الإسراء للسير ليلا لا نهارا (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) في مكة المكرمة (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) بيت المقدس في فلسطين ، وسمي الأقصى لبعده عن مكة ، وقيل لمن يكن وراءه مسجد آنذاك ، وكثير من المؤلفين يستعملون كلمة الإسراء في رحلة النبي (ص) من المسجد الأول إلى الثاني ، والمعراج في رحلته من بيت المقدس إلى السموات العلى (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) الضمير للمسجد الأقصى ، والبركة بما كان فيه وفي ضواحيه ونواحيه من أنبياء (لِنُرِيَهُ) محمدا (مِنْ آياتِنا) عجبا (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لقول من صدّق أو كذّب بهذا الإسراء والمعراج ، والجزاء موفور للإثنين : الثواب لمن آمن وصدق بهذه الرحلة المحمدية السماوية والعذاب لمن كفر بها وكذبها ، ولا يسوغ له أن يتعلل ويعتذر بأن هذا الارتقاء وصعود الإنسان إلى السماء كان في القديم غير مألوف ومعروف ، لأن على العاقل أن يفرّق بين ما هو خارق للعادة كتحول العصا إلى حيّة وما هو مستحيل في ذاته مثل أن يكون الشيء غير نفسه ، وجزء الشيء أكبر من كله ، والأول ممكن الوقوع ويثبت بخبر الصادق دون الثاني ، قال الفيلسوف الإنكليزي دافيد هيوم ما معناه : إذا أخبرك مخبر عن معجزة فانظر : «إن كان تكذيب المخبر مستحيلا عندك فصدقه حتى ولو كانت المعجزة المخبّر عنها فوق ما تدرك وتتصوّر ، وإلّا فكذّبه وإن كانت المعجزة ممكنة الوقوع في فهمك وعقلك» ، ومحمد (ص) هو الصادق الأمين بشهادة خصومه ، وقد أخبر عن الإسراء والمعراج فوجب التصديق بغض الطرف عن الوحي. وفي جريدة أخبار اليوم المصرية ، تاريخ ٢ / ٩ / ١٩٧٢ : «أن الدراسات الأكاديميّة في كثير من الدول بخاصة في أميركا يدرسون هذه الرحلة بشيء كثير من الإمعان ، ويدققون طويلا في كتب السيرة النبوية» ٢ ـ (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) هاديا لبني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) نصيرا ومعبودا ، ولكنهم حرّفوا التوراة ، وانتصروا بالطغاة ، واتّبعوا الشهوات ٣ ـ (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) حمل نوح في السفينة أولاده الثلاثة : سام وحام ويافث ، وفي قاموس الكتاب المقدس : «سام أكبر أولاد نوح ، ومعناه في العبراني اسم ، ومن نسله العرب واليهود والأراميون والآشوريون ، وتدعى اللغات التي يتكلم بها نسل سام اللغات السامية ، ومنها اللغة العربية والعبرانية» ومعنى هذا أن العرب واليهود أولاد عم ، ولا فخر ، والله سبحانه نادى بني إسرائيل في هذه الآية بذرّيّة (مَنْ حَمَلْنا) وحرف النداء محذوف أي يا ذرية من حملنا مع نوح (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) كان جدكم نوح شاكرا ذاكرا أيها اليهود ، فلما ذا أنتم تكفرون ولا تشكرون.
٤ ـ (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) أخبر سبحانه بني إسرائيل في كتاب التوراة : أنكم (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) الخطاب للحاضرين آنذاك والمراد نسلهم وخلفهم ، لأن هؤلاء امتداد لأولئك ، والمقصود بالإفساد سلطان البغي والعدوان بدليل قوله تعالى بلا فاصل : (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) وشهد بطغيان الدولة اليهودية التي أشار إليها سبحانه جماعة من المؤلفين والفلاسفة ، منهم الفيلسوف الهولندي اليهودي سبينوزا (ت ١٦٧٧ م) فقد أطال الحديث عن فساد وإفساد