٧٩ ـ (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فيصيبون بها رزقا يعينهم على مطالب الحياة ، ولكن ملكا ظالما كان يغتصب كل سفينة ، فخرقتها رحمة بالمساكين ، حتى إذا رآها الملك الطاغية زهد فيها ، وتركها لأهلها.
٨٠ ـ (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وكان هو في سن البلوغ ، وقد كفر بالله ، وعاث في الأرض فسادا ، وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق (ع) : أنه كان يعمل جاهدا لحمل أبويه على الكفر والإلحاد ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) أن يستبد بهما ويطغى عليهما في تكليف الكفر ، ولهذا استحق القتل ، وعن الإمام عليّ (ع) : ما زال الزبير معنا حتى أدرك فرخه عبد الله.
٨١ ـ (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ) فرجونا الله سبحانه أن يرزقهما مولودا مطيعا لله بارا بأبويه ، ولا نعمة من الله على عبده بعد الإيمان أفضل من هذه (زَكاةً) طهرا (وَأَقْرَبَ رُحْماً) لأن القريب من قربه الدين والخلق الكريم لا من قربة النسب أو السبب.
٨٢ ـ (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) قال سبحانه في آية سابقة : «أتيا أهل قرية» وقال هنا : في المدينة» ومعنى هذا أن القرية تطلق على المدينة (وَكانَ تَحْتَهُ) تحت الجدار (كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) فيه إيماء إلى أن لصلاح الأب بعض الأثر لحفظ الابن والعناية به (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) أن يبلغا الحلم والرشد (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) كان تحت الجدار مال مدفون ، ومتى سقط الجدار ظهر المال للعيان ، وترك للغصب والنهب ، فأقمته حرصا على المال ، حتى إذا كبر الغلامان استخرجاه بطريق أو بآخر وانتفعا به (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) بل يوحي منه تعالى (ذلِكَ تَأْوِيلُ) ما أنكرت وعارضت ، وعليك أن تنتفع بهذا الدرس ، ولا تحكم على الشيء بقول مطلق ، وأنت لا تعرف منه إلا وجهه الظاهر ، بل تمهل وانظر إلى الشيء من جميع جهاته ، فإن لكل ظاهر باطنا قد يكون على مثاله ، وقد يكون على الضد منه. وقد تساءل كثيرون عما فعله الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام ، وإقامة الجدار بلا سبب ظاهر؟ وملخص الجواب : أولا هذه حوادث خاصة في وقائع معيّنة ، تمت يوحي من الله إلى نبي من أنبيائه ، وليست مبادئ عامة وقواعد كلية ، يطبقها الفقية حسب نظره واجتهاده. ثانيا إن خرق السفينة يتفق تماما مع قاعدة دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف. وإقامة الجدار تفضل وإحسان على كل الفروض والتقادير ، أما قتل الغلام فقد كان على جرمه المادي المشهور ، حيث كان شابا تجاوز سن القصور والطفولة ، بدليل أنه كان يجاهد أبويه على الكفر والإلحاد كما سبقت الإشارة ، والآية الكريمة ظاهرة في ذلك ، لأن الطفل الصغير أعجز من أن يطغى على أبويه ٨٣ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) سأل اليهود محمدا (ص) عن أخبار ذي القرنين لمجرد الإخراج ، وما دروا أن الله يسانده ويمده بالجواب المفحم المخرس ، وعلى السنة المألوفة المعروفة : اختلف العلماء والمفسرون من الأولين والآخرين في هوية ذي القرنين وحقيقته دون أن يأتوا بنتيجة مقنعة ٨٤ ـ (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أعطاه سبحانه في الدنيا الملك العظيم ، وهيأ له من أسباب القوة كل سبب من العدة والعدد ، وفوق ذلك توفيق الله وعنايته.