(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) الملّة : الدين ، وإبراهيم (ع) أب حقيقي للأنبياء ، وروحي لأهل الأديان لاتفاقهم على نبوّته وتعظيمه. وقال الشيخ الطبرسي : «إبراهيم أبو الأمّة لأن العرب من ولد إسماعيل ، وأكثر العجم ـ أي غير العرب ـ من ولد إسحاق» (هُوَ) إبراهيم (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) إشارة إلى ما جاء على لسانه في الآية ١٢٨ من البقرة : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمّة مسلمة لك (مِنْ قَبْلُ) أي تسميتكم بالمسلمين موجودة قبل القرآن في الكتب السابقة (وَفِي هذا) أيضا هذه التسمية موجودة في القرآن (لِيَكُونَ الرَّسُولُ) هو محمد (ص) (شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) أرسل سبحانه محمدا (ص) داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلغ رسالات ربّه ، وبلّغها من بعده أهل بيته وصحابته الذين استنّوا بسيرته وعملوا بسنّته ، وحمل عبء التبليغ من بعدهم العلماء بدين الله وشريعته ، فمنهم من بلّغ حسب طاقته غير وان ولا مقصّر ، ومنهم من تجاهل وتخاذل ، ولكل كتابه عند الله ، وسيرته في التاريخ وعند الناس (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) والدليل الصادق على هذا الاعتصام هو العمل بالحق ، والإذعان له ، والتعاون مع كل إنسان على إقامته والجهر بكلمته مهما كانت النتائج ، ولا يضعف ويجبن عن مقالة الحقّ إلا من يخشى المخلوق دون الخالق (هُوَ مَوْلاكُمْ) يتولى أمر من اعتصم به وتوكل عليه (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) لمن انتصر به دون سواه. وهو سبحانه أن ينصر دين الحق وأهله بالنبي وآله ، عليهم أزكى الصلوات والتحيات ...
سورة المؤمنون
مكية وهي مائة وثماني عشرة آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) الفلاح بمعنى النجاح ، وهو الظفر بالمراد ، وكل من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو في حكم المسلم دينا ، أما في الآخرة فلا نجاح ولا فلاح إلا للذين تتوافر فيهم هذه الخلال :
٢ ـ (١) (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) والمراد بالخشوع هنا الإقبال على الصلاة بنفس راضية بها تمام الرضا ، وما زاد كالتضرع فهو خير ، واستوحينا هذا المعنى من حديث «قرّة عيني الصلاة» ومن قولة تعالى : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) ـ ١٤٢ النساء».
٣ ـ (٢) (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) واللغو : الباطل ، ويشمل ما لا فائدة فيه ، وباللغة المهذبة : مضغ الهواء ، ومعنى الإعراض عنه عدم الدخول فيه والاستماع إليه.
٤ ـ (٣) (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) وللزكاة معنيان : الأول أن يخرج الغني زكاة ماله ، ومنه قوله تعالى : وآتوا الزكاة. الثاني أن تكون أفعال الإنسان بعيدة عن الإثم والدنس ، ومنه وما عليك ألا يزكى ، والمراد بالزكاة في الآية كلا المعنيين ، وإن أومت كلمة «فاعلون» إلى المعنى الثاني.
٥ ـ ٧ ـ (٤) (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) عن الزنا وغيره من المحرمات. وفي سفينة البحار للشيخ القمي عن النبي (ص) أن الزنا يوجب الخلود في النار ، وأن الله سبحانه لا يسمي الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة.