الْحَياةِ الدُّنْيا) المراد بالفتيات هنا الإماء. والبغاء : الزنا ، وكان أهل الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا التماسا للمال ، فنهى سبحانه عن ذلك ، وتجدر الإشارة بأن كلمة (إن) هنا لا يراد منها الشرط والقيد ، بل مجرد البيان بأن الفتاة إذا أرادت العفة والصون فبالأولى أن تريدوا ذلك أنتم (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَ) فهو وحده المعاقب ، أمّا المكرهات (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لهن لا لمن دفع بهن إلى البغاء.
٣٤ ـ (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) في القرآن الكريم (آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أحكاما واضحة (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي من أخبار الماضين وقصصهم ، عسى أن تعتبروا وتنتفعوا.
٣٥ ـ (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) المراد بنوره تعالى قدرته وعلمه وحكمته ، وتتجلى بالكامل في خلق الكون وتدبيره ونظامه (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) وهي خرق في الحائط غير نافذ ، ويسمى كوة (فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) يشبه الدر في صفائه (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) هذا مثال لوضوح الأدلة وظهورها على وجود الله ، ويتلخص مثال الوضوح والظهور بسراج وضع في كوة بجدار البيت ، تحصر نوره وتجمعه ، ولا ينفذ إليه الهواء ، وهذا السراج داخل قنديل من الزجاج الصافي ، أما الزيت الذي فيه فهو من زيتونة لا هي شرقية تصيبها الشمس عند الشروق فقط ولا هي غربية تصلها عند الغروب فقط ، بل هي شرقية غربية لأنها تواجه الشمس صباحا ومساء لا يظلها شجر ولا جبل ونحو ذلك ، ومنها جاء زيتها نقيا صافيا يكاد يضيء من غير إحراق ، فإذا مسته النار أشرق نوره وتألق (نُورٌ عَلى نُورٍ) نور المصباح ونور الزجاج ونور الزيت (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ولا يشاء الهدى والخير إلا لمن أحبه وأراده بصدق وإخلاص (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) ٢٣ الأنفال».
٣٦ ـ ٣٧ ـ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) المراد بالبيوت هنا المساجد ، ورفعها : بناؤها ، أما اسمه وذكره تعالى فهو كناية عن العبادة (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ...) مؤمنون صالحون ، يتاجرون ويزرعون ويقومون بشتى أنواع الحرف والصناعات حتى إذا جاء وقت الصلاة وغيرها من العبادات والواجبات ، تركوا كل عمل وبادروا إليها ، فإذا انتهوا منها انصرفوا إلى شئونهم الدنيوية ، وهي لا تقل أجرا وثوابا عن الصوم والصلاة حيث لا فاصل في دين الإسلام بين عبادة الله والنضال في سبيل الأهل والعيال.
___________________________________
الإعراب : (مِنْكُمْ) متعلق بمحذوف حالا من الأيامى ، ومن للبيان ، ومثلها من عبادكم. و (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ) الفعل منصوب بأن بعد حتى. والمصدر المجرور بلام (لِتَبْتَغُوا) متعلق بتكرهوا.