٣٨ ـ (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يثيبهم على صالح أعمالهم ، ويتجاوز عن سيئاتهم الا أذى الناس ، فلا كفارة له ، ولا صفح عنه ، ولا شفاعة فيه عند الله (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أضعافا مضاعفة (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تقدم مرات ، منها في الآية ٢١٢ من البقرة.
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) سراب : شعاع من ضوء الشمس (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) وبقيعة كلمتان : باء الجر ، وقيعة جمع ، واحده قاع بمعنى الأرض المستوية الخالية (حَتَّى إِذا جاءَهُ) الهاء للسراب (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) لما ذكر سبحانه حال المؤمنين ، وأن أعمالهم من أجل الحياة الدنيا لا تلهيهم عن العبادة والقيام بحق الله سبحانه ، أشار إلى أعمال الكافرين وأنها تماما كالسراب الخادع لا تجديهم شيئا حين يقفون غدا بين يدي الله لنقاش الحساب ، بل يجدون عنده تعالى المقت والعذاب الأليم على أسوائهم وآلامهم.
٤٠ ـ (أَوْ كَظُلُماتٍ) هذا مثال ثان لأعمال الكافرين وأنها كظلمات (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) عظيم في مائه وعمقه وأمواجه (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) يغطي البحر موج ، ومن فوق الموج موج (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ) وفوق الأمواج المتراكمة سحاب ثقيل كثيف (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) الأمواج والظلمات ركب بعضها بعضا حتى بلغت الظلمة الغاية والنهاية بحيث (إِذا أَخْرَجَ) الإنسان (يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) وهذا أبلغ تشبيه لأهل الأغراض الذين غرقوا في بحر من الكذب والحقد والنميمة والحسد والغيبة والغرور والكبرياء ... إلى ما لا نهاية من القبائح والرذائل ، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) لا تقوم الحجة لله على واحد من خلقه إلا إذا أعطاه النور والعقل ، وهداه إلى طريق الخير والشر ، وعليه يكون معنى الآية من لم يطع الله سبحانه فيما أرشده إليه ، وأمره به ، فإنه يعيش مدى حياته في حيرة الجهل والضلالة.
٤١ ـ ٤٢ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ ...) ألم تر : ألم تعلم ، وتقدم في الآية ٤٤ من الإسراء (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) وفي هذه دلالة واضحة على أن للطيور والحشرات وغيرها من الحيوانات ، حظا من الإدراك ، وكذلك في الآية ١٨ من النمل : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) وقال الهدهد لسليمان : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) ـ ٢٢ النمل» وفي الآية في ٣٨ من الأنعام (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ).
___________________________________
الإعراب : والمصدر من ان ترفع منصوب بنزع الخافض أي بأن ترفع. و (فِي بُيُوتٍ) متعلق بيسبح ، وفيها بدل من في بيوت مثل : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) ـ ١٠٨ هود. ورجال فاعل يسبح.