٣٨ ـ ٣٩ ـ (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) من قوم فرعون : (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ ...) حذر قومه أولا وثانيا ، وهذي هي المرة الثالثة ، وقال لهم من جملة ما قال : الدنيا ممر لا مقر ، والآخرة هي الغاية والنهاية ، فاعملوا لها تنجوا وتفلحوا ... وما من شك أنه لو لا فرعون وعتاته المترفون لوجد من الناس من يسمع ويطيع ، وقصة هذا الرجل المؤمن ـ كما نعته القرآن الكريم ـ هي حجة كافية على كل من يدّعي الإيمان بالله ، ثم يسكت عن كلمة الحق فقد جابه المؤمن الصالح الطاغية فرعون بكلمة الحق غير مرتاع ولا هياب وهو لا يملك إلا نفسه وعقيدته ، وكل نبي من أنبياء الله ناضل أمته وحيدا فريدا وقال سبحانه لنبيه الكريم : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) ـ ٨٤ النساء» وفي الحديث الشريف : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» أجل ، إعلان الحرب لا بد أن يسبقه إعداد العدة ، ولكن الحرب شيء ، والأمر بالمعروف في كلمة حق شيء آخر.
٤٠ ـ (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) بلا زيادة لأن الله عادل ، وقد يعفو لأنه كريم (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالله واليوم الآخر (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) وفي هذا إيماء على أن الجنة محرمة إلا على من آمن بها وبخالقه وخالقها.
٤١ ـ ٤٤ ـ (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ...) أيضا هذا الكلام لمؤمن آل فرعون مع قومه ويستمر إلى قوله : (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ويرتكز على أن الجزاء حتم لا مفر منه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. وانه يدعوهم إلى الهدى وهم يصرون على الضلال ، بل ويدعونه إليه ، ولكنهم قادرون الآن ـ كما أفهمهم ـ أن يستدركوا وينجوا من الهلاك بخطوة واحدة وهي التوبة ، وعليهم أن ينتهزوا الفرصة وإلا فمصيرهم إلى الضياع والدمار.
اللغة : مردنا مرجعنا. وحاق به أحاط ونزل به. غدوا وعشيا صباحا ومساء.
___________________________________
الإعراب : (الْحَياةُ الدُّنْيا) عطف بيان من هذه. وهي ضمير الفصل ، وجملة وهو مؤمن حال من (مَنْ عَمِلَ صالِحاً). (جَرَمَ) اسم لا مبني معها على الفتح ، والمعنى لا محالة ، والمصدر من (أَنَّما تَدْعُونَنِي) مجرور بحرف جر محذوف متعلق بمحذوف وهو خبر لا. و (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) «هم» ضمير فصل. والنار بدل من سوء العذاب.