دون زمان (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) الإسلام ، والمصدر من أن أقيموا بدل من «ما وصى» (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) شيعا ومذاهب ، إن كنتم حقا من أهل الإسلام والقرآن ، والذين لا يجمعهم الإيمان بالله الرّحمن الرّحيم وبمحمد نبي الرحمة والإنسانية ـ محال أن يجمعهم شيء إلا جيفة يتكالبون عليها تماما كوحوش الغالب (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) يا محمد ، أولا لأنك لا تملك مالا ولا سلطانا ، ثانيا لأنك تدعو إلى الحق ، وما هم من أهله ولا في معدنه (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) كبر وثقل على العتاة أن تكون رسولا يا محمد ، ولكن الله أعلم بشمائلك وفضائلك ، ولذا اختارك سيدا للرسل وخاتما للأنبياء (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) من يلجأ إليه بصدق وإخلاص ، وفي الآية ١١ من التغابن : «ومن يؤمن الله يهد قلبه».
١٤ ـ (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) اختلفنا في الحق ونحن أعلم الناس به ، وإذن لا سبب موجب للخلاف إلا خبث السرائر ، وتقدم في الآية ٢١٣ من البقرة (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ...) شاءت حكمته أن يرجئ العذاب ليوم المعاد وإلا لأخذ به الطغاة في هذه الحياة ، وتقدم في الآية ١٩ من يونس (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) اليهود والنصارى المعاصرون لمحمد (ص) (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد الأنبياء أو الأجيال السابقة (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من محمد.
١٥ ـ (فَلِذلِكَ) إشارة إلى دين الله وإقامته (فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) اثبت على الدين الحنيف والدعوة إليه (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي أهواء المشركين ، والخطاب لمحمد (ص) وتسأل : قال سبحانه في الآية ٨٠ من النساء : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ومعنى هذا أن الرسول معصوم ، وقال سبحانه هنا للرسول نفسه : لا تتبع أهواء المشركين ، وتكرر هذا النهي في العديد من الآيات ، منها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) ـ ١ الأحزاب» فكيف ساغ النهي عن المعصية مع وجود العصمة؟ الجواب : ذكرنا فيما سبق الوجه المسوغ لهذا النهي ، والآن نعطف عليه : جعل سبحانه طاعة الرسول طاعة الله لأن الرسول لا ينطق إلا بأمر الله ، وكل من نطق به تجب طاعته ، ونهى سبحانه الرسول عن المعصية تقريرا وتوكيدا لشعور الرسول بأنه عبد من عباد الله ، وتنبيها لنا نحن بأنه عبد لله كيلا نتخذه شريكا أو نصف شريك لله ، كما فعل غيرنا من الطوائف ، ويؤكد هذا قوله تعالى لرسوله : (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أعلن يا محمد إيمانك بالكتب المنزلة من السماء وعدلك بالحكم بين الناس بإذن الله رب العالمين (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) لا جدال ولا مناظرة (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) يوم القيامة ، ويحكم وهو خير الحاكمين.
١٦ ـ (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي لله سبحانه ، والمعنى أن الذين ناصبوا العداء لله والإسلام لما رأوا الناس يدخلون فيه ، ويستجيبون له ، أخذوا يجادلونهم فيه بالتهويش والباطل الذي لا يسعفهم بشيء ، ولذا قال سبحانه : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) زائفة باطلة.