٣ ـ (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) غير مقطوع بل دائم ولازم لأن محمدا (ص) أدى الرسالة على أكمل وجه ، وتحمل في سبيلها أشد الأذى حتى نمت وأثمرت ولا تزال آثارها وثمارها قائمة إلى اليوم وإلى آخر يوم في شرق الأرض وغربها.
٤ ـ (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) تحدثت الأجيال عن محمد (ص) ووضعت في سيرته وأخلاقه الأسفار الطوال والقصار ، ونختار منها كلمة لابن عربي في الفتوحات حيث قال ما معناه : إن الله خلق الخلق أصنافا ، وجعل من كل صنف أخيارا ، ومن الأخيار الصفوة ، وهم الأنبياء ، ومن الأنبياء ، الخلاصة ، وهم أولو العزم ، ومن الخلاصة خلاصتها وهو محمد الذي لا يكاثر ولا يقاوم.
٥ ـ (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) ستظهر الحقيقة للناس كل الناس ، حين يعلو شأن الرسول الأعظم (ص) وتظهر كلمة الإسلام على الدين كله ٦ ـ (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) من هو صاحب الأوهام الكاذبة كأوهام المجنون؟
٧ ـ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) بأن محمدا على الهدى والسداد ، وأن خصومه هم المنحرفون عنه إلى الضلال والفساد.
٨ ـ (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) هذا إخبار في صورة النهي والإنشاء ، ومعناه أن محمدا لن يطيع المكذبين إطلاقا في التنازل عن دعوته مهما ساوموه وعرضوا عليه من المغريات والدليل على إرادة هذا قوله تعالى بلا فاصل ٩ ـ (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) من المداهنة والمراضاة المصانعة المدارية أي لو تسكت عن دعوتك إرضاء لهم لسكتوا عن الخصومة إرضاء لك ١٠ ـ (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) كثير الحلف بلا ضرورة ، لأنه يشعر من أعماقه باتهام الناس له وارتيابهم بأقواله ١١ ـ (هَمَّازٍ) يكثر الطعن في أعراض الناس (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) يمشي بالنميمة ليفسد بين الأخوان والجيران من صلات ١٢ ـ (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) يكرهه بالطبع لا يفعله ويصد الناس عن فعله (مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) يفتري على الأبرياء حقدا وطغيانا ١٣ ـ (عُتُلٍ) فظ غليظ (بَعْدَ ذلِكَ) وفوق هذه القبائح والرذائل هو (زَنِيمٍ) دعي لصيق ، وكافر زنديق ، وقيل : المراد بهذه الصفات الوليد بن المغيرة ، وقيل غيره ، ومهما كان فإن هذه اللطخات والنجاسات يتصف بها العديد من الأفراد في كل زمان ومكان ، وقد أمر سبحانه رسوله الكريم بالابتعاد عنهم ، فعلينا نحن أيضا أن نفر منهم ١٤ ـ ١٥ ـ (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) كان هذا الأثيم المهين في سعة من الأموال وقوة من الأولاد ، وكان لغيه وبغيه إذا سمع آي القرآن العظيم يقول : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) خرافات وأساطير لأنها تلعنه وأمثاله من الطغاة ١٦ ـ (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) سنميزه بعلامة على أنفه ووجهه تعرف بها قبائحه ومآثمه ورذائله وجرائمه ١٧ ـ (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) هذا الضمير للمشركين من أهل مكة ، ومنهم الأثيم المهين ، وكانوا في نعمة من الله ، ولكن جحدوها ولم يشكروها ، فانتقم الله منهم تماما كأصحاب البستان الذين أشار سبحانه إليهم بقوله : (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) وخلاصة أمرهم أنهم كانوا أخوة يملكون بستانا كثير الثمار ، فحلفوا أن لا يتصدقوا منها على مسكين ، وباتوا على هذا العزم مصرّين ، فأرسل سبحانه بالليل على البستان آفة قضت عليه بالكامل ، ولما أصبحوا أسرعوا إلى البستان فإذا به حطام ، فندموا وأيقنوا أن الله أخذهم بجرمهم ، فقال لهم أخوهم الأعقل والأفضل : نصحت لكم فلم تستبينوا